عندما تُمارس الأنظمة القمعية سلطتها على المجتمعات، يكون القمع واقعًا على الجميع، لكنه يأخذ أشكالًا أكثر قسوة عندما يتعلق الأمر بالنساء، حيث لا يقتصر العنف على القمع السياسي فقط، بل يمتد ليشمل عنفًا جندريًا مضاعفًا يستهدف المرأة بسبب نوعها الاجتماعي. في الدول السلطوية، تواجه النساء الاعتقال السياسي، التعذيب، العنف الجنسي، والتشهير الإعلامي كأدوات لإسكات أصواتهن وإبعادهن عن أي دور قيادي في المعارضة أو الحراك الاجتماعي.
لكن لماذا تكون النساء أكثر عرضة للقمع في هذه الأنظمة؟ وهل يُستخدم العنف ضدهن كأداة لإرهاب المجتمعات بأكملها؟ وما هي استراتيجيات المقاومة التي تبنتها النساء في مواجهة القمع السياسي الجندري؟
القمع السياسي للنساء: أدوات خاصة للسيطرة
في العديد من الأنظمة السلطوية، يتم التعامل مع المعارضين السياسيين بوحشية، لكن عندما تكون المعارِضة امرأة، فإن أساليب القمع تصبح أكثر وحشية واستهدافًا للجسد والكرامة الشخصية. يتم استخدام أدوات مثل:
العنف الجنسي في مراكز الاحتجاز: حيث يُستخدم التحرش والاغتصاب كوسيلة لكسر إرادة النساء المعارضات وإذلالهن.
التشهير الإعلامي: حيث يتم شن حملات عبر وسائل الإعلام الحكومية لاتهام النساء المعارضات بـ”الفساد الأخلاقي” أو التشكيك في شرفهن، وهو سلاح فعال في المجتمعات المحافظة.
العقوبات العائلية: حيث يتم استهداف أسر الناشطات، مثل اعتقال أزواجهن أو تهديد أطفالهن، لإجبارهن على الصمت.
التمييز في العقوبات: حتى في الحالات التي يُعتقل فيها الرجال والنساء معًا، غالبًا ما تواجه النساء أشكالًا أكثر وحشية من القمع، نظرًا لطبيعة المجتمع الأبوي الذي يرى أن إذلال المرأة يؤثر على مجتمعها بأكمله.
تشير الباحثة اللبنانية رُبى الناصري، المتخصصة في دراسات حقوق الإنسان والجندر، إلى أن “الأنظمة القمعية تدرك أن المرأة ليست فقط فردًا، بل هي رمز للكرامة المجتمعية. لذلك، عندما يتم استهداف النساء بالعنف الجنسي أو التشهير، فإن التأثير لا يقتصر عليهن فقط، بل يمتد إلى أسرهن ومجتمعاتهن، مما يجعل العنف الموجه ضدهن أكثر فعالية في خلق الخوف العام.”
تاريخيًا، لعبت الأنظمة القمعية في العديد من الدول دورًا كبيرًا في استهداف النساء سياسيًا بطرق وحشية، ومن أبرز الأمثلة:
سوريا: منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تعرضت العديد من النساء الناشطات للاعتقال والتعذيب في السجون، حيث تم توثيق حالات اغتصاب ممنهج بحق السجينات السياسيات.
مصر: خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بعد 2011، تم استخدام “كشوف العذرية” كوسيلة لإذلال الناشطات في السجون العسكرية، في واحدة من أكثر الجرائم الموثقة ضد النساء في السياق السياسي.
إيران: النساء كن في مقدمة الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل مهسا أميني عام 2022، لكن النظام الإيراني واجه هذه الانتفاضة بقمع غير مسبوق، حيث تم إعدام بعض الناشطات واغتصاب أخريات في السجون.
السودان: خلال الاحتجاجات ضد الحكم العسكري، تم استهداف النساء بشكل خاص، حيث واجهن عنفًا جنسيًا في المظاهرات والسجون، كجزء من استراتيجية لإرهاب الحركة الاحتجاجية بأكملها.
يقول الباحث المصري حسام العطار، المتخصص في العلوم السياسية، إن “قمع النساء في الدول السلطوية ليس مجرد أداة للسيطرة عليهن، بل هو تكتيك سياسي متعمد لضرب المعارضين في العمق، لأن استهداف النساء يعني نشر الخوف في المجتمع بأكمله.”
هل هناك مقاومة نسوية ضد الإرهاب الجندري؟
رغم شدة القمع، لم تكن النساء مجرد ضحايا، بل لعبن دورًا أساسيًا في تحدي الإرهاب الجندري والمطالبة بالعدالة، ومن أبرز استراتيجيات المقاومة:
التوثيق وكسر حاجز الصمت: في السنوات الأخيرة، قامت العديد من الناشطات بتوثيق الجرائم ضد النساء، مثل حملة “ما تموتي ساكتة” في السودان، والتي كشفت حجم الانتهاكات الجنسية ضد المتظاهرات.
التضامن النسوي العابر للحدود: في العديد من الحالات، لجأت الناشطات إلى شبكات دولية لحشد الدعم وكشف الانتهاكات، مثل الحملات التي دعمت الناشطات الإيرانيات ضد قمع النظام.
الضغط عبر المنظمات الحقوقية: حيث استطاعت بعض الناشطات تقديم شكاوى دولية ضد أنظمة قمعية، مثل الدعاوى القضائية التي رفعتها سوريات تعرضن للاغتصاب في سجون النظام السوري.
استخدام الإعلام الرقمي: حيث تمكنت النساء من كسر الحصار الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما حدث في حملة #MeToo العربية، التي فضحت العنف الجنسي ضد النساء في السياقات السياسية والاجتماعية.
كيف يمكن مواجهة الإرهاب الجندري؟
لمحاربة القمع السياسي الموجه ضد النساء، لا بد من اتخاذ خطوات فعلية، منها:
فرض رقابة دولية على الأنظمة التي تستخدم العنف الجنسي كأداة سياسية، مثل تقديم مجرمي الحرب إلى العدالة الدولية.
حماية الناشطات في الداخل والخارج، من خلال تأمين وسائل لدعم اللاجئات السياسيات وتقديم الحماية القانونية لهن.
تعزيز التضامن النسوي الدولي، عبر بناء شبكات دعم قوية للنساء الناشطات في الدول القمعية.
التثقيف حول العنف السياسي الجندري، بحيث لا يتم النظر إلى هذه الجرائم على أنها أحداث معزولة، بل كجزء من منظومة قمعية أكبر.
رغم كل أشكال الإرهاب الجندري، لا تزال النساء في مقدمة الحركات السياسية، حيث أظهرت تجارب إيران، السودان، سوريا، ومصر أن القمع قد يكون وحشيًا، لكنه لا يكسر إرادة النساء بسهولة. ومع تزايد الوعي بحقوق المرأة، أصبح من الصعب على الأنظمة القمعية إخفاء الجرائم التي تُرتكب ضد النساء، مما يجعل معركتهن ضد الإرهاب الجندري معركة طويلة، لكنها ليست مستحيلة الانتصار.
ويبقى السؤال: هل ستتحرك الحكومات والمنظمات الدولية لحماية النساء الناشطات، أم أن القمع سيظل سلاحًا تستخدمه الأنظمة الاستبدادية دون مساءلة؟