مع تصاعد أزمة المناخ، أصبح النزوح القسري بسبب التغيرات البيئية واقعًا يزداد تعقيدًا، حيث يضطر ملايين الأشخاص حول العالم إلى مغادرة ديارهم بسبب الجفاف، التصحر، الفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر. ورغم أن هذه الظاهرة تؤثر على الجميع، إلا أن النساء هن الفئة الأكثر تضررًا، حيث تؤدي الهجرة القسرية إلى تفاقم الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي يعانين منها بالفعل. لكن لماذا تكون النساء الأكثر عرضة للتهجير بسبب تغير المناخ؟ وكيف يمكن حمايتهن من تداعيات هذه الأزمة؟
النساء في قلب الأزمة المناخية: كيف يؤثر تغير المناخ عليهن؟
في العديد من الدول النامية، تلعب النساء دورًا محوريًا في الزراعة وإدارة الموارد الطبيعية، حيث يعتمدن على الأراضي الزراعية والمياه كمصدر رئيسي للرزق. لكن مع تفاقم ظواهر مثل الجفاف وندرة المياه، تجد النساء أنفسهن غير قادرات على تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهن، مما يجبرهن على النزوح إلى المدن أو الهجرة إلى دول أخرى بحثًا عن ظروف معيشية أفضل.
توضح الباحثة السودانية أميرة عبد الله، المتخصصة في التنمية البيئية، أن “النساء في المناطق الريفية هن الأكثر تضررًا من التغير المناخي، لأنهن يعتمدن بشكل أساسي على الموارد الطبيعية التي أصبحت أكثر ندرة. في بعض القرى في السودان، أدى التصحر إلى هجرة جماعية للنساء والأطفال، حيث لم يعد بالإمكان زراعة المحاصيل أو توفير المياه.”
وتضيف أن “المرأة ليست فقط ضحية لهذه الأزمات، بل تتحمل أيضًا مسؤولية رعاية الأسرة في ظل ظروف قاسية، مما يجعلها عرضة لمزيد من الفقر والتهميش.”
الهجرة المناخية: كيف تصبح النساء عرضة للاستغلال؟
عندما تجبر الظروف المناخية القاسية النساء على الهجرة، فإنهن غالبًا ما يواجهن مخاطر مضاعفة، مثل الاستغلال الاقتصادي، التحرش، والعنف الجنسي، خاصة في المخيمات العشوائية والمناطق الحدودية.
يقول الباحث المغربي يونس التازي، المختص في سياسات الهجرة، إن “النساء اللاجئات بسبب المناخ يواجهن أوضاعًا شديدة القسوة، حيث يتم استغلالهن في العمل غير الرسمي، أو يتعرضن للعنف داخل المخيمات التي تفتقر إلى الرقابة. في بعض الحالات، تضطر النساء إلى الزواج القسري كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.”
ويضيف أن “المشكلة أن معظم الدول لا تعترف قانونيًا باللاجئين المناخيين، مما يجعل هؤلاء النساء بدون أي حماية رسمية، حيث يتم التعامل معهن كمهاجرات غير شرعيات بدلًا من لاجئات بحاجة إلى دعم إنساني.”
في العالم العربي، تعتبر اليمن، السودان، وموريتانيا من أكثر الدول عرضة لتفاقم الهجرة المناخية، بسبب موجات الجفاف وندرة المياه. لكن حتى الدول التي تبدو أكثر استقرارًا، مثل مصر وتونس والمغرب، بدأت تشهد تأثيرات مباشرة لتغير المناخ على المجتمعات الريفية، مما يدفع النساء إلى البحث عن فرص عمل وهجرة داخلية إلى المدن الكبرى.
تشير أميرة عبد الله إلى أن “هناك زيادة ملحوظة في عدد النساء اللاتي ينتقلن من المناطق الريفية إلى المدن بحثًا عن فرص اقتصادية، لكن المشكلة أن هذه الهجرة غالبًا ما تؤدي إلى دخولهن في وظائف غير رسمية، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال.”
وتضيف أن “الحكومات العربية لا تزال متأخرة في تبني سياسات تحمي هؤلاء النساء، سواء من خلال توفير برامج دعم للمزارعات المتضررات من المناخ، أو من خلال تقديم حلول مستدامة لمنع النزوح القسري.”
كيف يمكن حماية النساء اللاجئات بسبب المناخ؟
لمواجهة هذه الأزمة، هناك عدة استراتيجيات يمكن تبنيها لحماية النساء من تداعيات الهجرة المناخية، ومنها:
الاعتراف القانوني باللاجئين المناخيين، بحيث يتم منحهم حقوقًا إنسانية تضمن لهم الحماية في الدول المستقبلة.
إطلاق مشاريع زراعية مستدامة في المناطق المتضررة، لمساعدة النساء على البقاء في أراضيهن دون الحاجة إلى الهجرة.
تعزيز الحماية في مخيمات اللاجئين، من خلال توفير بيئة آمنة للنساء، وضمان عدم تعرضهن للاستغلال.
تمكين النساء اقتصاديًا عبر منحهن فرصًا للعمل في القطاعات المتأثرة بالمناخ، مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة.
مع استمرار تغير المناخ في إعادة تشكيل المجتمعات، لا يمكن تجاهل حقيقة أن النساء هن الفئة الأكثر هشاشة في هذه الأزمة. إن الاعتراف بالهجرة المناخية كقضية إنسانية وجندرية أمر بالغ الأهمية، لأن الفشل في ذلك يعني أن ملايين النساء سيجدن أنفسهن عالقات بين الفقر، والاستغلال، وانعدام الاستقرار.
ويبقى السؤال: هل ستتحرك الحكومات والمجتمع الدولي لحماية النساء المتضررات من تغير المناخ، أم أن هذه الفئة ستظل تعاني في صمت دون أي اعتراف بمأساتهن؟