Spread the love

رغم أن العديد من الدول العربية قد أدخلت قوانين تضمن حق المرأة في امتلاك الأراضي والممتلكات، إلا أن الواقع على الأرض يكشف أن النساء لا يزلن يواجهن عراقيل قانونية، اجتماعية، وثقافية تحول دون حصولهن على حقوقهن العقارية. ففي معظم المجتمعات العربية، لا تزال ملكية الأرض تعتبر رمزًا للقوة والسلطة، وهو ما جعل الرجال يحتكرون هذا المجال لعقود طويلة، حتى عندما تمتلك المرأة الحق القانوني في امتلاك الأراضي، فإنها غالبًا ما تتعرض لضغوط عائلية واجتماعية تمنعها من ممارسته فعليًا.

لكن لماذا لا تزال المرأة محرومة من حقها في امتلاك الأراضي رغم القوانين التي تضمن ذلك؟ وهل يعود السبب إلى الموروث الثقافي أم إلى ضعف تنفيذ القوانين؟ وكيف يمكن للنساء استعادة حقهن في امتلاك الموارد العقارية دون مواجهة التمييز المجتمعي؟

من الناحية القانونية، تضمن معظم القوانين في الدول العربية حق المرأة في امتلاك الأراضي والممتلكات، والميراث، والتصرف فيها بحرية. لكن رغم ذلك، فإن التطبيق العملي يكشف أن النساء نادراً ما يحصلن على حصتهن العادلة من الميراث العقاري، حيث تُمارس عليهن ضغوط عائلية واجتماعية تدفعهن إلى التنازل عن حصصهن لصالح الذكور، سواء كانوا إخوة، أعمام، أو أبناء.

تشير الباحثة التونسية ليلى الحاجي، المتخصصة في الدراسات القانونية والجندر، إلى أن “القوانين في العديد من الدول العربية قد تحسنت فيما يتعلق بحقوق المرأة في الميراث وملكية الأراضي، لكن المشكلة ليست في القوانين ذاتها، بل في تطبيقها. فغالبًا ما يتم استخدام التقاليد والعادات لإجبار النساء على التنازل عن حقوقهن تحت ضغط العائلة والمجتمع.”

وتضيف أن “المرأة تواجه معركة مزدوجة؛ فهي مطالبة بإثبات حقها القانوني، وفي الوقت ذاته تواجه ضغوطًا نفسية واجتماعية لمنعها من المطالبة بهذا الحق.”

الحرمان من الميراث: كيف يُمنع النساء من حقوقهن العقارية؟

رغم أن الشريعة الإسلامية والقوانين المدنية في معظم الدول العربية تنص على أن المرأة ترث الأرض والممتلكات مثلها مثل الرجل، لكن في أغلب الحالات يتم التلاعب بهذا الحق بطرق مختلفة، منها:

الإجبار على التنازل: في العديد من العائلات، يتم الضغط على النساء نفسيًا واجتماعيًا للتنازل عن نصيبهن في الميراث لصالح الذكور، بدعوى أن “الأرض يجب أن تبقى داخل العائلة” أو أن “الرجل هو المسؤول عن العائلة ويحتاج للأرض أكثر”.
استخدام الزواج كأداة للتحكم: في بعض المجتمعات، يتم تزويج النساء داخل العائلة نفسها (مثل زواج الأقارب) لضمان بقاء الأراضي ضمن نطاق الأسرة الممتدة، مما يمنع المرأة من المطالبة بحقوقها بشكل مستقل.
التلاعب القانوني: في بعض الحالات، يقوم الرجال بتسجيل الممتلكات بأسماء ذكور العائلة قبل وفاة الأب، مما يحرم النساء من حقهن في الميراث بشكل رسمي.
العنف الاقتصادي: حتى عندما تحصل المرأة على ممتلكاتها، فإنها قد تواجه عنفًا اقتصاديًا يجعلها غير قادرة على الاستفادة من هذه الممتلكات، مثل رفض تأجيرها، أو منعها من بيعها، أو تهديدها بقطع العلاقات العائلية إذا طالبت بحقها.

يقول الباحث المغربي يوسف العلوي، المختص في الاقتصاد الاجتماعي، إن “القضية ليست فقط قانونية، بل هي قضية اقتصادية أيضًا. الرجال يعتقدون أن ملكية الأرض تعني امتلاك السلطة، وعندما تبدأ النساء في المطالبة بهذه الحقوق، فإنهن يواجهن مقاومة شديدة لأنها تهدد النظام التقليدي الذي يمنح الرجل الهيمنة الاقتصادية.”

ما تأثير حرمان النساء من ملكية الأراضي؟

يؤدي التمييز في ملكية الأراضي إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة على النساء، حيث يحرمهن من الاستقلال المالي، ويضعهن في موقع التبعية الاقتصادية للرجال. من أبرز هذه التأثيرات:

زيادة معدلات الفقر بين النساء: بدون أصول عقارية، تجد النساء أنفسهن في وضع اقتصادي ضعيف، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال المالي أو الاعتماد على الزوج أو العائلة.
ضعف الاستقلالية في اتخاذ القرارات: المرأة التي لا تمتلك أرضًا أو منزلًا تجد صعوبة في اتخاذ قرارات حياتية مستقلة، مثل الانفصال عن زوج مسيء أو الاستثمار في مشروع اقتصادي خاص بها.
إضعاف دور المرأة في التنمية الزراعية: في المناطق الريفية، تلعب النساء دورًا محوريًا في الزراعة، لكن بدون ملكية الأراضي، لا يمكنهن الوصول إلى القروض الزراعية أو دعم الحكومات، مما يعطل دورهن في الاقتصاد المحلي.
تقويض العدالة الجندرية: عندما يتم حرمان المرأة من امتلاك الأراضي، فإن ذلك يعزز الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين، مما يجعل تحقيق المساواة الجندرية أكثر صعوبة.

هل هناك حلول لحماية حقوق النساء في ملكية الأراضي؟

لضمان حصول النساء على حقوقهن العقارية، لا بد من اتخاذ إجراءات فعلية، منها:

تفعيل القوانين وضمان تنفيذها: يجب أن تكون هناك آليات قانونية صارمة تضمن تنفيذ قوانين الميراث وملكية الأراضي، ومعاقبة أي محاولات لحرمان النساء من حقوقهن.
إطلاق حملات توعية اجتماعية: يجب العمل على تغيير العقلية المجتمعية التي ترى أن الأرض يجب أن تبقى بيد الرجال، وتثقيف النساء حول حقوقهن القانونية.
توفير حماية للنساء من العنف الاقتصادي: يجب توفير مؤسسات قانونية واجتماعية تدعم النساء اللواتي يواجهن التهديدات أو الضغوط العائلية عند المطالبة بحقوقهن العقارية.
تقديم دعم اقتصادي للنساء المالكات للأراضي: يمكن للحكومات أن توفر قروضًا ومساعدات مالية للنساء اللواتي يمتلكن أراضي لكنهن يواجهن صعوبات في استثمارها أو تطويرها.

رغم التقدم القانوني، لا تزال النساء في العالم العربي يواجهن معركة طويلة لاستعادة حقوقهن العقارية، حيث لا يتعلق الأمر فقط بتغيير القوانين، بل بتغيير العقلية الثقافية والموروث الاجتماعي الذي يرى أن المرأة لا يجب أن تمتلك الموارد الاقتصادية بشكل مستقل.

ويبقى السؤال: هل ستشهد السنوات القادمة تحولًا جذريًا في منح النساء حقوقهن العقارية، أم أن الممارسات التقليدية ستظل تفرض سطوتها على حقوق المرأة في ملكية الأراضي؟

error: Content is protected !!