Spread the love

لطالما كانت النساء جزءًا فاعلًا في الحركات الاحتجاجية والتغيير السياسي، حيث ظهرن في الخطوط الأمامية للمظاهرات، وهتفن ضد الأنظمة القمعية، ونظّمن حملات تعبئة قوية، سواء في العالم العربي أو في أماكن أخرى من العالم. لكن رغم هذا الدور البارز، غالبًا ما يتم تهميش النساء بمجرد انتهاء الاحتجاجات، حيث يعود الرجال إلى السيطرة على المشهد السياسي، ويتم إقصاء النساء من عمليات صنع القرار.

فلماذا تُستبعد النساء من المناصب السياسية بعد أن يكنّ في طليعة الحركات الاحتجاجية؟ وهل يمكن للنساء أن يرسخن دورًا دائمًا في السياسة بدلًا من أن يقتصر دورهن على لحظات الثورة فقط؟

النساء في مقدمة الاحتجاجات: من مصر إلى السودان وإيران

خلال الثورات العربية (2011)، كانت النساء في طليعة التظاهرات، حيث لعبن دورًا رئيسيًا في تنظيم المظاهرات والضغط من أجل التغيير، لكن بعد سقوط الأنظمة، تراجع حضورهن في المشهد السياسي.

في مصر، شاركت النساء بشكل كبير في ثورة يناير 2011، لكن مع إعادة تشكيل السلطة، تعرضن للإقصاء من عمليات صياغة الدستور والمفاوضات السياسية، وعادت الدولة لتقييد حرياتهن أكثر مما كانت عليه قبل الثورة.

في السودان، قادت النساء الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس عمر البشير عام 2019، حيث أصبحت صور المتظاهرات السودانيات، مثل آلاء صلاح، رمزًا للحراك الثوري. لكن بعد سقوط النظام، لم تحصل النساء على نسبة عادلة في الحكومة الانتقالية، مما أعاد إنتاج الهياكل الذكورية التي كانت قائمة قبل الثورة.

أما في إيران، فقد أصبحت النساء مركز الحراك السياسي بعد مقتل مهسا أميني عام 2022، حيث خرجت آلاف النساء في مظاهرات حاشدة ضد القوانين القمعية، في واحدة من أقوى الاحتجاجات النسائية في المنطقة.

رغم أن النساء غالبًا ما يكنّ في طليعة الاحتجاجات، إلا أنهن يواجهن صعوبات كبيرة في ترجمة دورهن في الشارع إلى تمثيل سياسي فعلي بعد التغيير. يعود ذلك إلى عدة أسباب:

استمرار الذهنية الذكورية في السياسة: حتى في الحركات الثورية، يظل التفكير السياسي ذكوريًا، حيث يُنظر إلى النساء كداعمات وليس كقياديات.
الغياب عن مراكز صنع القرار: حتى عندما يتم تشكيل حكومات انتقالية، يتم تهميش النساء أو إعطاؤهن أدوارًا رمزية لا تتناسب مع حجم تضحياتهن في الثورة.
استخدام العنف السياسي ضد النساء: في كثير من الحالات، يتم قمع النساء بعد الاحتجاجات من خلال التحرش السياسي، التشهير، أو حتى الاعتقال، كما حدث في مصر والسودان وإيران.

تشير الباحثة اللبنانية رُبى السعدي، المتخصصة في الحركات الاجتماعية والجندر، إلى أن “النساء يُستخدمن كقوة دافعة أثناء الاحتجاجات، لكن بعد نجاح الثورة، يعود الرجال إلى بناء السلطة من جديد وفق نفس الأسس القديمة التي تهمش المرأة. الثورة الحقيقية لا تحدث فقط في الشارع، بل يجب أن تمتد إلى هياكل الحكم.”

هل يمكن للنساء تحويل دورهن في الاحتجاجات إلى قوة سياسية دائمة؟

لكي يتحول الدور الاحتجاجي للنساء إلى قوة سياسية فعلية، يجب اتخاذ عدة خطوات، منها:

إنشاء شبكات دعم سياسي للنساء، بحيث يكون للناشطات حضور مستمر في المشهد السياسي بعد انتهاء الاحتجاجات.
الضغط من أجل قوانين تضمن تمثيل النساء في الحكومات الانتقالية والبرلمانات، من خلال حصص نسائية (كوتا) أو سياسات دعم واضحة.
تحصين النساء ضد العنف السياسي، من خلال حملات توعوية وقانونية تحمي النساء من الإقصاء بعد انتهاء الاحتجاجات.

النساء وصناعة القرار: هل يمكن تحقيق المساواة السياسية؟

رغم التحديات، هناك بعض النجاحات التي حققتها النساء بعد الحركات الاحتجاجية، مثل تولي نجلاء بودن رئاسة الحكومة في تونس، أو وصول النساء إلى مواقع قيادية في الحركات الشبابية والسياسية.

يقول الناشط المغربي ياسين العلوي، المهتم بالحركات الاجتماعية، إن “الحركات الاحتجاجية توفر فرصة للنساء لإثبات قدراتهن القيادية، لكن المشكلة أن النظام السياسي لا يزال مبنيًا على تفضيل الرجال. الحل الوحيد هو استمرار الضغط بعد الاحتجاجات، وعدم السماح بإعادة إنتاج نفس الأنظمة التي تهمش النساء.”

إن مشاركة النساء في الاحتجاجات لم تعد موضع شك، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذا الحراك إلى تغيير سياسي دائم. فحتى الآن، لا تزال الأنظمة السياسية تتعامل مع النساء كقوة مساعدة، وليس كفاعلات أساسيات في إعادة تشكيل السلطة.

ويبقى السؤال: هل ستتمكن النساء يومًا من تحويل دورهن في الشارع إلى قوة مؤثرة في مراكز القرار، أم أن السياسة ستظل حكرًا على الرجال رغم كل التضحيات التي تقدمها النساء في لحظات الثورة؟

error: Content is protected !!