Spread the love

رغم الجهود الحقوقية والقانونية لمحاربة زواج القاصرات، لا تزال هذه الظاهرة منتشرة في العديد من الدول العربية، حيث تُجبر آلاف الفتيات سنويًا على الزواج في سن مبكرة، مما يعرضهن لمخاطر صحية ونفسية وتعليمية خطيرة. ورغم أن بعض الدول قد عدّلت قوانينها لرفع سن الزواج، إلا أن الثغرات القانونية والتقاليد المجتمعية لا تزال تفتح الباب أمام استمرار هذه الممارسة.

لكن لماذا لا يزال زواج القاصرات موجودًا رغم التشريعات الحديثة؟ هل يعود السبب إلى العادات والتقاليد، أم أن هناك تواطؤًا قانونيًا يسمح بتمرير هذه الزيجات؟ وما الذي يمكن فعله لحماية الفتيات من هذه الظاهرة؟

كيف لا يزال زواج القاصرات قانونيًا رغم حظره؟

في معظم الدول العربية، تم تحديد الحد الأدنى للزواج بـ 18 عامًا، إلا أن هذه القوانين تحتوي على استثناءات وثغرات تتيح تزويج القاصرات، مثل:

زواج “الموافقة الاستثنائية” من القاضي
في بعض الدول، مثل الأردن، العراق، السودان، واليمن، يمكن للقاضي منح إذن بتزويج الفتاة إذا رأى أن الزواج “يحقق مصلحتها”.
هذه الاستثناءات غالبًا ما تُستخدم لتزويج القاصرات بناءً على رغبة العائلة، دون مراعاة إرادة الفتاة نفسها.

عدم تسجيل الزواج رسميًا حتى بلوغ سن 18
في دول مثل مصر والمغرب، تُعقد بعض الزيجات القاصرة بشكل “عرفي” دون توثيق رسمي، ويتم تسجيلها لاحقًا بعد بلوغ الفتاة السن القانوني.
هذا يسمح باستمرار الظاهرة، حيث يتم استغلال الثغرات القانونية لتمرير الزواج ثم تقنينه لاحقًا.

التواطؤ المجتمعي مع الظاهرة
في بعض المجتمعات، لا يُنظر إلى زواج القاصرات كجريمة أو انتهاك، بل يُعتبر جزءًا من التقاليد، خاصة في المجتمعات الريفية والقبلية.
الأسر التي تُزوج بناتها في سن مبكرة غالبًا ما تبرر ذلك بالفقر أو “الخوف على شرف العائلة”، وهو ما يعقد الجهود القانونية لمكافحة الظاهرة.

توضح الباحثة التونسية أمل الهادي، المتخصصة في قضايا النوع الاجتماعي، أن “القانون وحده لا يكفي لمحاربة زواج القاصرات، لأن المجتمعات ترى في هذه الممارسة جزءًا من التقاليد وليس انتهاكًا لحقوق الطفلة. لهذا السبب، تجد القوانين نفسها عاجزة عن التطبيق الفعلي.”

ما هي الدوافع التي تدفع الأسر إلى تزويج بناتها مبكرًا؟

زواج القاصرات ليس مجرد مسألة قانونية، بل هو نتاج لمجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، منها:

الفقر والضغط الاقتصادي
في بعض المجتمعات الفقيرة، يُنظر إلى تزويج الفتيات كوسيلة لتخفيف العبء المالي عن الأسرة، حيث تنتقل مسؤولية الفتاة إلى الزوج.
في بعض الحالات، تحصل العائلات على مهر مرتفع عند تزويج بناتها، مما يدفع بعض الأسر الفقيرة إلى تزويج القاصرات للحصول على المال.

الخوف على “الشرف” والتقاليد المجتمعية
يُعتبر الزواج المبكر في بعض المجتمعات وسيلة لحماية “شرف العائلة”، حيث يُعتقد أن تزويج الفتاة مبكرًا سيمنعها من الانخراط في أي علاقات خارج إطار الزواج.
في بعض العائلات، يتم تزويج الفتيات القاصرات كوسيلة لتجنب الفضيحة إذا كانت هناك شكوك حول سلوك الفتاة.

نقص الوعي بالتداعيات الصحية والقانونية
العديد من الأسر لا تدرك المخاطر الصحية والنفسية التي يواجهها الفتيات عند الزواج المبكر.
بعض العائلات تعتقد أن الفتاة يمكنها تحمل مسؤوليات الزواج في سن مبكرة، متجاهلين حقيقة أن الزواج القسري يؤدي غالبًا إلى أضرار نفسية واجتماعية دائمة.

كيف يؤثر زواج القاصرات على حياة الفتيات؟

زواج القاصرات ليس مجرد عقد قانوني، بل هو عبء مدى الحياة يحمل تداعيات خطيرة على صحة الفتاة ومستقبلها، منها:

المضاعفات الصحية أثناء الحمل والولادة
الفتيات اللواتي يتزوجن قبل سن 18 يواجهن خطرًا أعلى للموت أثناء الولادة، بسبب عدم اكتمال نمو الجسم.
تزداد حالات الإجهاض والولادات المبكرة، مما يؤثر على صحة الأم والطفل.

حرمان الفتيات من التعليم
في معظم الحالات، يؤدي الزواج المبكر إلى ترك المدرسة والتوقف عن التعليم، مما يحد من فرص الفتاة في بناء مستقبل مستقل.
الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة نادراً ما يحصلن على فرص عمل لائقة، مما يجعلهن معتمدات اقتصاديًا على أزواجهن.

التعرض للعنف الأسري
غالبًا ما تُجبر الفتيات القاصرات على الزواج من رجال يكبرونهن بسنوات عديدة، مما يزيد من خطر تعرضهن للعنف الجسدي والنفسي والجنسي.
في العديد من الحالات، تجد الفتيات أنفسهن غير قادرات على طلب الطلاق أو الهروب من العلاقات المسيئة بسبب الضغوط العائلية والمجتمعية.

يقول الباحث المغربي سامي زكريا، المتخصص في علم الاجتماع، إن “زواج القاصرات هو شكل من أشكال العنف الهيكلي ضد النساء، حيث يتم استخدام الفتاة كأداة لتلبية مصالح الأسرة والمجتمع، دون أي اعتبار لرغباتها أو مستقبلها.”

ما هي الجهود المبذولة للقضاء على زواج القاصرات؟

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الدول العربية في اتخاذ إجراءات قانونية واجتماعية لمحاربة زواج القاصرات، منها:

رفع سن الزواج إلى 18 عامًا دون استثناءات كما في تونس والجزائر والمغرب.
تشديد العقوبات على تزويج القاصرات، مثل إلغاء الزواج القسري وسجن أولياء الأمور المتورطين كما في الأردن ومصر.
إطلاق حملات توعية مجتمعية لشرح المخاطر الصحية والتعليمية لزواج القاصرات، كما في برامج الأمم المتحدة في اليمن والسودان.
تمكين الفتيات اقتصاديًا وتعليميًا من خلال توفير برامج دعم مالي وتعليمي للنساء اللواتي يواجهن خطر الزواج المبكر.

رغم الجهود المبذولة، لا يزال زواج القاصرات منتشرًا في العديد من الدول العربية، حيث تقف التقاليد، والثغرات القانونية، والضغوط الاقتصادية حائلًا أمام القضاء عليه تمامًا. إن إنهاء هذه الظاهرة يتطلب إصلاحات قانونية حقيقية، وجهودًا مجتمعية ضخمة، وتغييرًا في العقلية الثقافية التي تبرر زواج الأطفال.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن يأتي يوم يصبح فيه زواج القاصرات جزءًا من الماضي، أم أن هذه العادة ستظل مستمرة تحت مظلة التقاليد والمصالح الأسرية؟

error: Content is protected !!