Spread the love

منذ بدايات السينما، كانت صورة المرأة على الشاشة محكومة برؤية ذكورية تعكس تصورات المجتمع عن دورها، حيث قُدمت النساء في أدوار نمطية تراوحت بين المرأة الضعيفة التي تحتاج إلى إنقاذ، أو femme fatale التي تستغل أنوثتها، أو الأم المثالية المكرسة لخدمة الأسرة. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة محاولات لتغيير هذه الصورة، خاصة مع صعود الحركات النسوية ودخول مزيد من النساء إلى صناعة السينما كمخرجات وكاتبات سيناريو.

لكن رغم هذا التقدم، لا تزال السينما العربية والعالمية تواجه تحديات في تمثيل النساء بعيدًا عن القوالب الجاهزة، حيث تستمر بعض الأفلام والمسلسلات في إعادة إنتاج صورة المرأة كمجرد أداة للزينة أو شخصية هامشية تدور حول الرجل. فهل تغيرت صورة المرأة فعلاً على الشاشة، أم أن النمطية لا تزال تفرض نفسها؟

المرأة في السينما العربية: تحولات أم إعادة إنتاج القوالب التقليدية؟

في العالم العربي، مرت صورة المرأة في السينما بمراحل مختلفة، فبينما كانت أفلام الستينيات والسبعينيات تقدم نساء أكثر استقلالية وانخراطًا في الحياة الاجتماعية، شهدت العقود الأخيرة عودة إلى القوالب النمطية التي تعيد إنتاج أدوار تقليدية، مثل الزوجة الخاضعة، العاشقة المأزومة، أو الفتاة المتمردة التي تعاقبها القصة في النهاية.

توضح الباحثة اللبنانية ريما الأسعد، المتخصصة في الإعلام والسينما، أن “السينما العربية تعكس التناقضات في المجتمعات نفسها. ففي بعض الأفلام، نرى نساء قويات ومستقلات، بينما في أفلام أخرى، يتم تقديمهن في صورة كاريكاتورية تعكس الرؤية الذكورية التقليدية.”

وتضيف أن “حتى عندما تظهر المرأة كشخصية رئيسية، فإن قصتها غالبًا ما تدور حول الزواج، الحب، أو الصراعات العاطفية، بدلاً من تقديمها كشخصية ذات قضايا أعمق مثل العمل، السياسة، أو الطموح الشخصي.”

المرأة خلف الكاميرا: هل تحكم النساء السرد السينمائي؟

رغم زيادة عدد النساء العاملات في الإخراج وكتابة السيناريو، إلا أن نسبة النساء في الأدوار القيادية في صناعة السينما لا تزال محدودة، مما يفسر استمرار التحيز الذكوري في السرد السينمائي. وفقًا لتقرير صادر عن مهرجان كان السينمائي عام 2023، فإن أقل من 20% من الأفلام التي تم إنتاجها عالميًا خلال العقد الماضي كانت من إخراج نساء.

يقول الناقد السينمائي المصري أحمد جلال إن “الصناعة لا تزال خاضعة لهيمنة الرجال، سواء في الإنتاج أو الإخراج أو الكتابة، وهذا ينعكس في نوع القصص التي يتم تقديمها. عندما تكون المرأة خلف الكاميرا، فإن السرد السينمائي يتغير، ويصبح أكثر حساسية لقضايا المرأة، لكن هذه الفرص لا تزال محدودة في العالم العربي.”

ويضيف أن “التمثيل النسائي في السينما ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو أيضًا مسألة تجارية، لأن الشركات المنتجة تميل إلى دعم القصص التي تحقق ربحًا مضمونًا، وهو ما يدفعها إلى إعادة إنتاج الصور النمطية للمرأة لأنها تتناسب مع ما تعود عليه الجمهور.”

في السينما العالمية، خاصة مع صعود الحركة النسوية في هوليوود، بدأنا نرى أدوارًا نسائية أكثر تعقيدًا وواقعية، مثل أفلام “Mad Max: Fury Road” و**”Nomadland”**، حيث تلعب النساء دور البطولة بعيدًا عن الحبكة الرومانسية التقليدية.

لكن رغم هذا التقدم، لا تزال بعض الأنماط القديمة قائمة، مثل تصوير النساء كبطلات “قويات” ولكن بطريقة تكرس النظرة الذكورية، حيث يتم التركيز على الجسد والأنوثة حتى في الأدوار التي تبدو نسوية في ظاهرها.

تشير ريما الأسعد إلى أن “حتى الأفلام التي يُقال إنها تدعم المرأة، مثل بعض أفلام الأكشن التي تقدم نساء مقاتلات، تظل مشبعة بالنظرة الذكورية التي تجعل من البطلة مجرد ‘نسخة أنثوية من الرجل القوي’، بدلاً من أن تكون شخصية مستقلة بذاتها.”

وتضيف أن “التمثيل الحقيقي للمرأة لا يتعلق فقط بإعطائها دور البطولة، بل بكيفية تقديمها كإنسان كامل له طموحات وتعقيدات نفسية، وليس مجرد كائن جميل أو رمز جنسي.”

الإعلام والسينما: كيف يمكن تغيير الصورة النمطية؟

لتحقيق تغيير حقيقي في صورة المرأة على الشاشة، يجب اتخاذ خطوات على عدة مستويات، منها:

تشجيع النساء على دخول صناعة السينما، من خلال تقديم منح دراسية وفرص تمويل للأفلام التي تكتبها أو تخرجها النساء.
إعادة النظر في كتابة الشخصيات النسائية بحيث يتم تقديم النساء بأدوار أكثر تعقيدًا، بعيدًا عن القوالب التقليدية.
دعم الأفلام التي تعكس قضايا المرأة بواقعية، وليس فقط تلك التي تستخدم النسوية كأداة تسويقية.
إعادة تقييم المحتوى الإعلامي بحيث لا يتم تقديم صورة المرأة دائمًا من منظور الرجل، بل من خلال رؤيتها الخاصة لتجاربها.

رغم التحولات التي شهدتها صناعة السينما، لا يزال الطريق طويلًا قبل أن نحصل على تمثيل نسائي عادل على الشاشة، سواء من حيث الأدوار أو من حيث وجود النساء خلف الكاميرا. إن كسر القوالب النمطية ليس مجرد مسألة تغيير في نوعية الأدوار، بل هو إعادة تشكيل لطريقة السرد السينمائي بحيث تعكس السينما تجارب النساء الحقيقية بعيدًا عن التصورات الذكورية المسبقة.

ويبقى السؤال: هل ستشهد السنوات القادمة تحولًا حقيقيًا في تمثيل النساء في السينما، أم أن النمطية ستظل جزءًا لا يتجزأ من صناعة الأفلام؟

error: Content is protected !!