رغم أن السجن يُفترض أن يكون عقوبة محايدة تطبق على الجميع بالتساوي، فإن النساء السجينات غالبًا ما يواجهن تمييزًا مزدوجًا داخل المنظومة القضائية والسجن نفسه. فالمرأة التي تدخل السجن لا تُعامل فقط كمذنبة، بل يُنظر إليها أيضًا كعار اجتماعي على عائلتها ومجتمعها، مما يجعل العقوبة أكثر قسوة على النساء مقارنة بالرجال.
لكن كيف تؤثر هذه التحيزات على ظروف النساء في السجون؟ وهل يختلف تعامل النظام القضائي مع المرأة السجينة مقارنة بالرجل؟ وما الذي يمكن فعله لضمان حقوق النساء داخل المؤسسات العقابية؟
لماذا تواجه النساء معاملة مختلفة في السجون؟
رغم أن عدد النساء السجينات أقل بكثير من الرجال، فإن التحديات التي يواجهنها داخل السجون أكبر بكثير، بسبب عدة عوامل:
التمييز القضائي ضد النساء
في بعض الدول العربية، تواجه النساء أحكامًا أشد قسوة في القضايا المرتبطة بـ”الشرف”، حيث يُنظر إلى الجريمة التي ترتكبها المرأة على أنها انحراف أخلاقي أكثر من كونها مجرد مخالفة قانونية.
في المقابل، عندما يكون الرجل هو الجاني في قضايا العنف ضد النساء، فإن العقوبات غالبًا ما تكون مخففة أو لا تُطبق بشكل صارم.
العنف والانتهاكات داخل السجون
العديد من النساء السجينات يتعرضن للتحرش والاستغلال الجنسي من قبل الحراس أو حتى السجينات الأخريات.
تفتقر بعض السجون النسائية إلى آليات لحماية النساء من العنف، مما يجعل السجن بيئة غير آمنة، خاصة في الدول التي تعاني من غياب الرقابة الحقوقية.
وصمة العار الاجتماعية بعد الإفراج
عندما يخرج الرجل من السجن، يستطيع في كثير من الأحيان استئناف حياته الطبيعية، أما المرأة فتواجه نبذًا اجتماعيًا شديدًا يجعل من الصعب عليها إعادة الاندماج في المجتمع.
في بعض الحالات، تُجبر النساء المفرج عنهن على البقاء في “سجون اجتماعية” مثل العودة إلى منازل أسرية صارمة، أو يُجبرن على الزواج لتجنب العار.
تقول الباحثة الحقوقية دينا المسعودي، المتخصصة في شؤون العدالة الجنائية والجندر، إن “السجن بالنسبة للمرأة لا ينتهي عند الخروج منه، بل يمتد إلى حياة طويلة من التمييز المجتمعي وصعوبة الحصول على عمل أو حياة طبيعية.”
كيف يؤثر غياب العدالة على النساء في السجون؟
التمييز ضد النساء داخل السجون يأخذ أشكالًا متعددة، منها:
عدم مراعاة الظروف الخاصة بالنساء
لا يتم توفير رعاية صحية كافية للنساء الحوامل داخل السجون، مما يجعل الحمل والولادة تجربة قاسية للغاية داخل هذه المؤسسات.
في بعض الدول، لا يُسمح للسجينات بالاحتفاظ بأطفالهن بعد الولادة، مما يحرم الأمهات من العلاقة مع أطفالهن في سنواتهم الأولى.
احتجاز النساء في “سجون شرفية” دون جريمة
في بعض الدول العربية، تُسجن بعض النساء ليس لأنهن ارتكبن جريمة، ولكن لحمايتهن من العنف الأسري أو جرائم الشرف.
بدلاً من معاقبة الجاني، يتم احتجاز الضحية في السجن لحمايتها من القتل أو الانتقام العائلي.
عدم وجود برامج لإعادة التأهيل بعد الإفراج
العديد من السجينات يخرجن دون أي دعم لإعادة الاندماج في المجتمع، مما يجعلهن عرضة للتشرد أو العودة إلى الجريمة نتيجة غياب الفرص المتاحة لهن.
في بعض الدول، يتم منع النساء المفرج عنهن من العمل في وظائف معينة، مما يفاقم مشاكلهن الاقتصادية.
يقول المحامي المصري ياسر الديب، المتخصص في قضايا حقوق الإنسان، إن “السجون لا يجب أن تكون مجرد أماكن للعقاب، بل يجب أن توفر فرصًا حقيقية لإعادة التأهيل، لكن للأسف، النساء لا يحصلن على هذه الفرصة بعد الإفراج عنهن.”
أمثلة على التمييز ضد النساء السجينات في الدول العربية
النساء في السجون المصرية
تعاني النساء في السجون المصرية من انتهاكات حقوقية جسيمة، بما في ذلك الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، وعدم توفير رعاية صحية كافية، والتحرش وسوء المعاملة.
السجينات في العراق وسوريا
في مناطق النزاع، يتم احتجاز النساء في ظروف غير إنسانية تمامًا، وغالبًا ما يتم اعتقالهن دون محاكمات عادلة، كما أن العديد منهن محتجزات فقط بسبب صلاتهن العائلية بمتهمين بالإرهاب.
السجينات في الأردن ولبنان
في بعض الحالات، تُحتجز النساء في مراكز حماية خاصة لحمايتهن من القتل بدافع الشرف، لكنهن يُعامَلن فعليًا كسجينات، دون أي محاكمات أو جرائم ارتكبنها.
كيف يمكن تحسين أوضاع النساء في السجون؟
لضمان حصول النساء على معاملة عادلة داخل السجون وبعد الإفراج، لا بد من:
إصلاح القوانين التي تعاقب النساء بقسوة أكبر من الرجال
يجب إلغاء التشريعات التي تُشدد العقوبات على النساء في قضايا معينة، في حين تُخففها على الرجال في جرائم مثل العنف ضد المرأة.
تحسين ظروف السجون النسائية
يجب أن تتوفر في السجون النسائية رعاية طبية ملائمة، ومساحات آمنة للأمهات السجينات، وآليات لمنع العنف والاستغلال.
إنهاء احتجاز النساء دون محاكمة عادلة
لا يجب أن تُحتجز النساء فقط لحمايتهن من جرائم الشرف أو العنف الأسري، بل يجب محاسبة الجناة بدلًا من معاقبة الضحايا.
إطلاق برامج لإعادة إدماج النساء المفرج عنهن
توفير برامج تأهيلية وتدريب مهني للنساء بعد الإفراج عنهن لمساعدتهن على العودة إلى المجتمع بشكل طبيعي.
ضمان حق النساء المفرج عنهن في التوظيف دون تمييز، وحمايتهن من الوصمة الاجتماعية.
رغم أن العدالة الجنائية يُفترض أن تكون محايدة، إلا أن النساء في السجون يواجهن تمييزًا قانونيًا واجتماعيًا مزدوجًا، حيث يتم تشويه سمعتهن، وحرمانهن من الحقوق الأساسية، ومعاملتهن بطرق أكثر قسوة من الرجال. إن إصلاح هذا الوضع يتطلب تحولات قانونية واجتماعية جذرية تضمن أن تكون السجون أماكن للإصلاح والتأهيل، وليس فقط للعقاب والتهميش.
ويبقى السؤال: هل سيأتي يوم تستطيع فيه النساء قضاء محكوميتهن دون مواجهة تمييز إضافي بسبب جنسهن، أم أن السجون ستظل أداة أخرى لإخضاع المرأة اجتماعيًا؟