FILE - In this April 25, 2019, file photo, Russian President Vladimir Putin, right, and North Korea's leader Kim Jong Un shake hands during their meeting in Vladivostok, Russia. Kim’s fifth meeting with Chinese President Xi Jinping continues his ambitious diplomatic outreach that has included summits with the leaders of the United States, South Korea and Russia in the past year and a half. Experts say Kim is attempting to form a united front with North Korea’s main ally China to strengthen his leverage in the stalled nuclear negotiations with the United States. (AP Photo/Alexander Zemlianichenko, Pool, File)
Spread the love

تأتي زيارة وزيرة الخارجية الكورية الشمالية شو سون هوي إلى موسكو في لحظة حاسمة من تطور العلاقات بين البلدين، حيث تتعزز الشراكة بينهما في ظل العقوبات الغربية المتزايدة على كل من روسيا وكوريا الشمالية. هذه الزيارة، التي تُعد امتداداً للقاءات سابقة بين زعيمي البلدين، تحمل دلالات عميقة حول الاتجاه الذي تأخذه هذه العلاقة، خاصة في ظل الشبهات حول تبادل الدعم العسكري بين الطرفين، وهو ما يثير قلق الغرب ويفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تؤثر على مسار الحرب في أوكرانيا.

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، اتجهت روسيا إلى توسيع دائرة تحالفاتها العالمية، ولم يكن تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية إلا خطوة طبيعية ضمن هذا التوجه. فبيونغ يانغ، التي تعيش تحت وطأة عقوبات دولية مشددة، وجدت في موسكو شريكاً استراتيجياً يمكنها أن تستفيد منه اقتصادياً وتقنياً وعسكرياً، في حين تسعى روسيا إلى تعويض نقص الذخائر والأسلحة عبر شراكة محتملة مع كوريا الشمالية، التي تمتلك واحدة من أكبر مخزونات المدفعية التقليدية في العالم.

أبرز ما ورد في تصريحات شو سون هوي في موسكو كان تأكيدها على أن كوريا الشمالية “لن تغيّر بأي حال مسار تعزيز ترسانتها النووية”. هذا الإعلان، الذي يأتي بعد قمة جمعت الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعزز الشكوك الغربية حول احتمال حصول بيونغ يانغ على تقنيات نووية أو صاروخية متقدمة من موسكو مقابل تقديمها دعماً عسكرياً لروسيا في أوكرانيا.

مازن أفندي، الخبير في شؤون شرق آسيا، يرى أن “كوريا الشمالية لطالما كانت معزولة عن التكنولوجيا المتقدمة بسبب العقوبات، لكنها تمتلك قدرة تصنيعية هائلة في مجال الصواريخ الباليستية والمدفعية. إن تعاونها مع روسيا قد يمنحها فرصة للوصول إلى تكنولوجيا متطورة قد تعزز برنامجها النووي والصاروخي”.

ورغم أن موسكو لم تعلن صراحةً عن أي تعاون نووي مع بيونغ يانغ، فإن وجود اتفاقيات أمنية وعسكرية بين البلدين يثير الشكوك حول مدى استعداد روسيا لمشاركة تقنياتها مع كوريا الشمالية، خاصة في ظل تصاعد الضغط الغربي على موسكو بسبب الحرب الأوكرانية.

جنود كوريون شماليون في أوكرانيا؟ حقيقة أم دعاية غربية؟

واشنطن زعمت أن حوالي 8000 جندي كوري شمالي يتلقون تدريبات في روسيا تمهيداً لنشرهم في أوكرانيا، وهو ما لم تؤكده موسكو أو بيونغ يانغ، كما لم يشر إليه أي من الوزيرين في المؤتمر الصحفي المشترك. لكن بعض التقارير الاستخباراتية الغربية أشارت إلى أن كوريا الشمالية قد ترسل مقاتلين متطوعين أو تقنيين متخصصين في تشغيل المدفعية، وذلك لتعويض الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش الروسي في أوكرانيا.

ريتشارد هاوز، الباحث في مركز الدراسات الدفاعية الدولي، يقول إن “إرسال قوات كورية شمالية إلى أوكرانيا قد يكون خطوة محفوفة بالمخاطر، لأنها ستشكل تصعيداً خطيراً قد يؤدي إلى ردود فعل قوية من الغرب. لكن إذا كان الدعم العسكري يقتصر على الذخائر والمعدات، فقد يكون ذلك أكثر قابلية للتنفيذ دون إثارة أزمة دبلوماسية كبيرة”.

على الجانب الآخر، ترفض أوكرانيا التقليل من أهمية هذه المزاعم، حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن “عدم تحرك حلفائنا لوقف التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية قد يؤدي إلى تعقيد المعركة ضد القوات الروسية”.

في ظل العقوبات المفروضة عليها، تسعى موسكو إلى توسيع شبكة تحالفاتها العسكرية والاقتصادية، وكوريا الشمالية تمثل فرصة نادرة لموسكو لتعزيز تحالفاتها خارج الإطار التقليدي. فبيونغ يانغ لا تتعرض لضغوط اقتصادية غربية حقيقية بسبب عزلتها الطويلة، كما أن لديها ما تقدمه من مساعدات عسكرية لموسكو، خصوصاً في ظل احتياج روسيا للذخائر والصواريخ بعيدة المدى.

من جهة أخرى، فإن تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية يمنح روسيا ورقة ضغط جديدة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان. فمن خلال تقوية شراكتها مع بيونغ يانغ، يمكن لموسكو أن تخلق توتراً إضافياً في شبه الجزيرة الكورية، مما قد يضعف تحالفات واشنطن في المنطقة.

اتفاقية الدفاع المتبادل: هل تعني التزاماً روسياً بحماية بيونغ يانغ؟

واحدة من أبرز التطورات في العلاقة بين البلدين كان توقيع اتفاقية للدفاع المتبادل، والتي قد تعني أن أي اعتداء على كوريا الشمالية قد يستدعي تدخلاً روسياً. ورغم أن موسكو لم تعلن تفاصيل هذه الاتفاقية، فإن تصريحات لافروف حول “العلاقات الوطيدة بين الجيشين وأجهزة الاستخبارات في البلدين” تثير تساؤلات حول مدى عمق التعاون العسكري بين الجانبين.

إياس جواد، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، يرى أن “روسيا تريد إبقاء كوريا الشمالية كحليف استراتيجي، لكنها لن تذهب إلى حد الدخول في حرب من أجلها”. ويضيف: “الاتفاقيات الدفاعية غالباً ما تكون أداة للردع أكثر منها التزاماً صريحاً بالتدخل العسكري”.

في ظل تعثر العلاقات بين روسيا والغرب، وتعزيز بيونغ يانغ لبرنامجها النووي، يبدو أن العالم يتجه نحو تشكيل تحالفات جديدة تعيد رسم ملامح النظام الدولي. فالعلاقات الروسية – الكورية الشمالية لم تعد مجرد تعاون تقليدي، بل باتت تأخذ طابعاً استراتيجياً قد يكون له تأثيرات واسعة على الأوضاع في أوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية.

لكن يبقى السؤال: هل ستستمر موسكو وبيونغ يانغ في تعميق هذا التحالف حتى مستوى المواجهة المفتوحة مع الغرب، أم أن هذا التقارب سيظل محكوماً بحسابات سياسية وعسكرية لا تصل إلى نقطة اللاعودة؟

error: Content is protected !!