Spread the love

في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، وزيادة الطلب على الطاقة النظيفة، بدأت بعض الدول تعيد التفكير في الطاقة النووية باعتبارها بديلاً مستدامًا يمكن أن يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. رغم تاريخها المثير للجدل بسبب الحوادث النووية الكبرى مثل تشيرنوبل وفوكوشيما، فإن التكنولوجيا النووية الحديثة تعد أكثر تطورًا وأمانًا من أي وقت مضى، مما يثير تساؤلات مهمة:

هل يمكن للطاقة النووية أن تكون جزءًا من الحل لمواجهة تغير المناخ؟ أم أن المخاطر المرتبطة بها تجعلها رهانًا محفوفًا بالمخاطر؟

الطاقة النووية: بين الفرص والمخاوف

الطاقة النووية تُنتج من خلال الانشطار النووي، حيث يتم تقسيم أنوية الذرات لإطلاق كميات هائلة من الطاقة. على عكس الفحم أو النفط، لا تنتج هذه العملية انبعاثات غازات دفيئة مباشرة، مما يجعلها من الخيارات المثيرة للاهتمام في سباق التحول إلى الطاقة النظيفة.

يقول هشام البكري، الباحث في الطاقة المتجددة، إن “المحطات النووية توفر كهرباء نظيفة دون انبعاثات كربونية تقريبًا، وهو ما يجعلها منافسًا قويًا للرياح والطاقة الشمسية في خطط الدول للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050”.

لكن في المقابل، هناك مخاوف بيئية وأمنية تتعلق باستخدام الطاقة النووية، من أبرزها:

نفايات اليورانيوم المشعة التي تحتاج إلى آلاف السنين للتحلل، مما يجعل التخلص منها مشكلة كبرى.
مخاطر الحوادث النووية التي قد تؤدي إلى كوارث بيئية، كما حدث في تشيرنوبل عام 1986 وفوكوشيما عام 2011.
التكلفة العالية لبناء محطات الطاقة النووية، مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

رغم المخاوف، بدأت دول عديدة حول العالم تسريع مشاريع الطاقة النووية باعتبارها جزءًا أساسيًا من التحول نحو مصادر طاقة مستدامة. من بين الأسباب التي تدفع هذا التوجه:

أزمة الطاقة العالمية: مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، تبحث الدول عن بدائل أرخص وأكثر استقرارًا، مما يجعل الطاقة النووية خيارًا جذابًا.
الالتزامات المناخية: مع اقتراب مواعيد تحقيق صافي انبعاثات صفرية، تدرك الحكومات أن الطاقة الشمسية والرياح وحدهما قد لا يكونان كافيين لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
التطور التكنولوجي: ظهور المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs)، وهي مفاعلات أكثر أمانًا وأقل تكلفة من المحطات النووية التقليدية، جعل الاستثمار في الطاقة النووية أكثر جاذبية.

يؤكد كريم الشناوي، الخبير في سياسات الطاقة، أن “التكنولوجيا النووية تتطور بسرعة، والمفاعلات الحديثة أصبحت أكثر أمانًا وكفاءة، مما قد يجعلها عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة المستقبلي”.

الدول التي تراهن على الطاقة النووية

رغم أن بعض الدول قررت التخلي عن الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما، مثل ألمانيا، إلا أن دولًا أخرى تمضي قدمًا في توسيع اعتمادها على الطاقة النووية، من بينها:

الصين: تمتلك أكبر خطط توسع في مجال الطاقة النووية، حيث تستهدف بناء 150 مفاعلًا جديدًا بحلول 2035.
فرنسا: تعتمد على الطاقة النووية لإنتاج 70% من كهربائها، وتخطط لتحديث بنيتها النووية.
الولايات المتحدة: رغم تباطؤ الاستثمار النووي، هناك اهتمام بتطوير المفاعلات الصغيرة كجزء من الحل المناخي.
الإمارات العربية المتحدة: أطلقت مشروع براكة النووي، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، للمساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية.

مع تزايد الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة، بدأت بعض الدول العربية في استكشاف الطاقة النووية كخيار استراتيجي. في الوقت الحالي، تمتلك الإمارات والسعودية ومصر والجزائر خططًا أو مشاريع قائمة في مجال الطاقة النووية المدنية، لكن يبقى السؤال: هل تمتلك الدول العربية البنية التحتية اللازمة لإدارة الطاقة النووية بأمان؟

يقول سامي النجار، الخبير في أمن الطاقة، إن “الدول العربية تمتلك الفرصة للاستفادة من الطاقة النووية، لكن التحدي الرئيسي هو ضمان إجراءات السلامة والتخلص من النفايات المشعة بشكل آمن”.

هل الطاقة النووية البديل الأفضل للطاقة المتجددة؟

بينما تتجه العديد من الدول نحو الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، يرى البعض أن الطاقة النووية قد تكون خيارًا أكثر استقرارًا، لأنها لا تعتمد على الطقس أو توفر ضوء الشمس، وتوفر إمدادًا ثابتًا من الكهرباء على مدار اليوم.

لكن لا تزال هناك أسئلة رئيسية حول التكلفة والمخاطر، حيث أن بناء محطة نووية قد يستغرق عقدًا من الزمن، بينما يمكن إنشاء محطة للطاقة الشمسية أو الرياح خلال عام أو عامين فقط.

مع تسارع الجهود العالمية للتخلص من الوقود الأحفوري، يبدو أن الطاقة النووية قد تلعب دورًا محوريًا في مزيج الطاقة المستقبلي، لكن يبقى السؤال:

هل ستتمكن الحكومات من تجاوز المخاطر البيئية والتكلفة العالية، أم أن العالم سيعتمد أكثر على الطاقة الشمسية والرياح كبدائل أقل خطورة؟

إذا استطاعت الدول تطوير تقنيات أكثر أمانًا وأقل تكلفة في المجال النووي، فقد يكون القرن الحادي والعشرين بداية لعصر جديد من الطاقة النووية الخضراء، التي توفر طاقة نظيفة دون التضحية بالأمان البيئي. لكن إذا لم يتم التعامل مع المخاطر بحذر، فقد نجد أنفسنا أمام جيل جديد من الكوارث النووية التي تعيد طرح الأسئلة حول جدوى هذا الخيار.

error: Content is protected !!