Spread the love

رغم أن النساء لعبن دورًا محوريًا في تطوير الموسيقى العربية والعالمية، فإن صناعة الموسيقى لا تزال، في كثير من جوانبها، حكرًا على الرجال. فبينما نجد النساء في واجهة الغناء والاستعراض، يظل التحكم في الإنتاج، والتوزيع، والتلحين، وإدارة الأعمال الموسيقية مجالًا يسيطر عليه الذكور.

لكن لماذا لا تزال النساء تواجه صعوبات في إثبات أنفسهن في الأدوار غير التقليدية داخل هذه الصناعة؟ وهل يعود الأمر إلى تمييز ممنهج، أم إلى تحديات اقتصادية وثقافية؟ وهل يمكن للمرأة أن تحصل على نصيب عادل في هذه الصناعة التي تدر مليارات الدولارات سنويًا؟

النساء في الموسيقى: بين الحضور القوي والتهميش الممنهج

تاريخيًا، لعبت النساء دورًا أساسيًا في الغناء والرقص والعزف، لكن عندما يتعلق الأمر بالمناصب القيادية مثل التلحين، والتوزيع، والإنتاج، وإدارة شركات الموسيقى، نجد أن الرجال لا يزالون يسيطرون على المشهد.

يمكن تقسيم وضع المرأة في صناعة الموسيقى إلى ثلاث فئات رئيسية:

المرأة في الغناء والاستعراض
النساء يحظين بحضور قوي كفنانات ومطربات ومؤديات، حيث تستثمر شركات الإنتاج في المغنيات كوجوه ترويجية، لكنها نادرًا ما تمنحهن سلطة حقيقية في القرارات الفنية.
رغم ذلك، تواجه المغنيات ضغوطًا مضاعفة مقارنة بالرجال، حيث يتم الحكم عليهن بناءً على المظهر أكثر من الأداء الفني.

المرأة في التلحين والتوزيع الموسيقي
لا تزال الملحنات والموزعات الموسيقيات نادرات جدًا مقارنة بالملحنين الرجال، مما يجعل النساء في هذا المجال يواجهن صعوبة في إثبات أنفسهن.
غالبًا ما يتم تجاهل أعمال الملحنات، أو تنسب إلى ملحنين رجال، مما يجعلهن يعملن في الظل دون اعتراف كافٍ بمساهماتهن.

المرأة في الإنتاج وإدارة الأعمال الموسيقية
النساء اللواتي يدخلن مجال إدارة الأعمال الموسيقية يواجهن عراقيل مثل ضعف التمويل، وغياب الدعم من شركات الإنتاج، ورفض الاعتراف بقدراتهن في إدارة المشاريع الموسيقية الكبيرة.
في العالم العربي، تظل شركات الإنتاج الكبرى في أيدي رجال يتحكمون في شكل الموسيقى التي تصل إلى الجمهور، مما يحد من قدرة النساء على التأثير في الصناعة.

لماذا تواجه النساء عراقيل في صناعة الموسيقى؟

رغم أن بعض النساء استطعن كسر الحواجز، فإن صناعة الموسيقى لا تزال تضع أمام النساء عراقيل كثيرة تمنعهن من الوصول إلى مواقع التأثير الحقيقية. ومن أبرز هذه التحديات:
1. التمييز الجندري في التلحين والإنتاج

عندما يتعلق الأمر بالإنتاج والتلحين، يفضل المنتجون التعامل مع الملحنين والموزعين الذكور، حيث يُنظر إلى هذا المجال على أنه “تقني” يتطلب خبرة لا تمتلكها النساء، رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك.

2. التركيز على المظهر بدلًا من الموهبة

النساء في صناعة الموسيقى يُحكَم عليهن وفقًا لمظهرهن وصورتهن الإعلامية أكثر من موهبتهن الفعلية.
الكثير من شركات الإنتاج تطلب من الفنانات اتباع نمط معين من الأزياء والظهور الإعلامي لضمان نجاحهن، بينما لا يواجه الرجال نفس الضغط.

3. غياب الفرص والإنتاج المستقل

لا تزال شركات الإنتاج الكبرى تهيمن عليها قرارات ذكورية، مما يجعل من الصعب على النساء إطلاق أعمال موسيقية دون تدخل أو تحكم من منتجين ورجال أعمال.
حتى في المجال المستقل، تعاني النساء من ضعف التمويل وصعوبة الحصول على عقود توزيع ناجحة.

4. التحرش والاستغلال في الصناعة

مثل العديد من المجالات الإبداعية، تعاني النساء في الموسيقى من التحرش والاستغلال، سواء في بيئات العمل أو أثناء التعامل مع المنتجين والموزعين.
تخشى العديد من النساء في المجال الموسيقي الإبلاغ عن هذه الانتهاكات بسبب الخوف من خسارة الفرص المهنية.

كيف يمكن تمكين المرأة في صناعة الموسيقى؟

رغم هذه التحديات، هناك عدة طرق يمكن أن تساعد النساء في تحقيق حضور أقوى وأكثر استقلالية في صناعة الموسيقى، ومنها:

تعزيز دور النساء في الإنتاج والإدارة
تشجيع إنشاء شركات إنتاج تديرها النساء، بحيث تمنح الفنانات مزيدًا من الحرية والاستقلالية.
زيادة دعم الملحنات والموزعات الموسيقيات، ومنحهن مساحة في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية.

إطلاق مبادرات لدعم المواهب النسائية
إنشاء جوائز ومهرجانات موسيقية تركز على دعم النساء في الصناعة.
تشجيع المعاهد الموسيقية على استقطاب المزيد من النساء في مجالات التلحين والإنتاج والتوزيع.

مواجهة الاستغلال والتحرش في الصناعة
وضع سياسات واضحة لحماية النساء من التحرش والاستغلال في قطاع الموسيقى.
تشجيع الفنانات على التحدث عن تجاربهن ومشاركة قصصهن لخلق بيئة أكثر أمانًا ودعمًا.

إعطاء النساء دورًا أكبر في المنصات الرقمية
دعم الفنانات عبر المنصات المستقلة مثل يوتيوب وسبوتيفاي وساوند كلاود، مما يمكنهن من الوصول إلى الجمهور بعيدًا عن تحكم شركات الإنتاج التقليدية.

رغم التطور الكبير في صناعة الموسيقى، لا تزال النساء يواجهن تمييزًا واضحًا في مجالات الإنتاج، والتلحين، والإدارة. وبينما تمتلئ الساحة الفنية بأصوات نسائية مبدعة وقوية، يبقى السؤال: متى ستتمكن النساء من التحكم في مصيرهن داخل هذه الصناعة، بدلاً من أن يكن مجرد واجهة لمصالح المنتجين والهيئات الإعلامية؟

إذا استمرت هذه التحديات، فإن صناعة الموسيقى ستظل مكانًا غير متكافئ، حيث يكون للمرأة الحق في الغناء، لكن ليس في اتخاذ القرارات. لكن مع التقدم الرقمي والتغيرات في هيكلة سوق الموسيقى، قد تكون السنوات القادمة نقطة تحول حقيقية نحو صناعة موسيقية أكثر إنصافًا وتمكينًا للنساء.

error: Content is protected !!