Spread the love

إعلان رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين عن مناقشة الانسحاب من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية يمثل تصعيداً جديداً في التوترات الجيوسياسية العالمية. هذه الخطوة، التي تأتي في سياق تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، تشير إلى تغير كبير في العقيدة الاستراتيجية لروسيا، في وقت يشهد فيه العالم أزمات متصاعدة تتعلق بالأمن الدولي والتوازن النووي.

التلويح الروسي بإمكانية الانسحاب من المعاهدة يعكس تصوراً متزايداً في موسكو بأن النظام الدولي لم يعد يوفر توازنًا عادلاً للقوى الكبرى. تصريحات بوتين، التي أكدت أن الولايات المتحدة لم تصدق على المعاهدة رغم توقيعها، تهدف إلى تسليط الضوء على ازدواجية المعايير التي تدعيها روسيا، مما يعطي تبريراً لإعادة تقييم التزاماتها الدولية.

التحولات الأخيرة، بما في ذلك العقوبات الدولية غير المسبوقة ضد روسيا نتيجة الحرب في أوكرانيا، تجعل موسكو ترى في هذه الخطوة وسيلة للضغط على الغرب وإعادة توجيه قواعد اللعبة النووية لصالحها. بوتين أشار إلى أن العقيدة النووية الروسية لا تحتاج إلى تغييرات جوهرية، لكنه لم يستبعد اتخاذ خطوات رمزية أو عملية لزيادة الردع النووي في وجه ما تصفه موسكو بالتهديدات الغربية.

تمثل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حجر الزاوية في الجهود الدولية للحد من الانتشار النووي وتقليل التوترات بين القوى النووية. ومع أن روسيا وقعت وصدقت على المعاهدة، فإن الولايات المتحدة اكتفت بالتوقيع دون التصديق، مما يخلق ثغرة قانونية تستغلها موسكو لتبرير موقفها الحالي.

الانسحاب الروسي المحتمل يهدد بإطلاق سباق تسلح نووي جديد، حيث قد تشجع هذه الخطوة دولاً أخرى على إعادة النظر في التزاماتها الدولية، مما يقوض النظام القائم لمنع انتشار الأسلحة النووية. هذا السيناريو يمثل خطراً حقيقياً على الاستقرار الدولي، خاصة في ظل التوترات القائمة بين القوى النووية الكبرى.

بوتين أوضح أن روسيا قد تسحب تصديقها كرد مماثل على الولايات المتحدة، التي لم تصدق على المعاهدة. هذه الرسالة تهدف إلى تسليط الضوء على ما تعتبره موسكو نفاقاً في السياسة الأمريكية.

إشارة بوتين إلى استكمال اختبارات صواريخ الجيل الجديد مثل “بوريفيستنيك” و”سارمات” تعكس نية موسكو تعزيز قدرتها النووية، في ظل تصاعد التوترات مع الناتو واستمرار الصراع في أوكرانيا.

إعلان الانسحاب المحتمل يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، حيث يُجبر القوى الكبرى على إعادة التفكير في سياساتها النووية، خاصة أن روسيا تعد واحدة من أكبر اللاعبين في هذا المجال.

إذا مضت روسيا قدماً في الانسحاب، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد غير مسبوق في سباق التسلح النووي، مع احتمال إعادة تفعيل التجارب النووية ليس فقط في روسيا، بل في دول أخرى تشعر بتهديد متزايد.

قد تستخدم روسيا التهديد بالانسحاب كورقة ضغط لإجبار الولايات المتحدة والقوى الغربية على تقديم تنازلات دبلوماسية، سواء في ما يتعلق بالصراع في أوكرانيا أو العقوبات الاقتصادية.

القوى الكبرى مثل الصين قد تدعو إلى ضبط النفس، بينما قد تشهد دول أخرى، مثل كوريا الشمالية، فرصة لاستغلال الموقف لصالحها من خلال تعزيز قدراتها النووية

إذا قررت روسيا الانسحاب فعلياً، فإن ذلك سيقوض بشكل كبير مصداقية النظام الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية. ستكون هذه الخطوة بمثابة إعلان عن نهاية مرحلة من الضبط النووي وبداية مرحلة جديدة من التوترات النووية التي قد تعيد العالم إلى أجواء الحرب الباردة.

في المقابل، سيزيد ذلك من تعقيد العلاقات بين موسكو وواشنطن، ويضعف فرص التعاون الدولي في قضايا أخرى، مثل التغير المناخي ومكافحة الإرهاب.

تهديد روسيا بالانسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية يعكس تصاعد التوترات العالمية وإعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية. هذه الخطوة تمثل تحدياً حقيقياً للنظام الدولي، حيث تهدد بإطلاق سباق تسلح نووي جديد وتقويض الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار. يبقى السؤال: هل سيؤدي هذا التصعيد إلى مفاوضات دولية تعيد التوازن، أم أنه سيكون مقدمة لفصل جديد من التوترات النووية التي تهدد الأمن العالمي؟ الإجابة تعتمد على قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع هذه الأزمة بحكمة وفعالية.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!