Spread the love

لماذا لا تزال نسبة مشاركة النساء في البرلمانات والحكومات العربية متدنية رغم مرور عقود على المطالبات النسوية؟ هل يكفي تخصيص “كوتا نسائية” لضمان حضور المرأة في المشهد السياسي، أم أن المشكلة أعمق من ذلك؟ وهل تواجه النساء عقبات قانونية، أم أن التحدي الأكبر يكمن في القيود الاجتماعية والثقافية؟

رغم أن العديد من الدول العربية قامت بتعديلات دستورية وقانونية تهدف إلى تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، إلا أن النتائج الفعلية لا تزال متواضعة. وفقًا لتقرير صادر عن “الاتحاد البرلماني الدولي” لعام 2023، فإن متوسط نسبة النساء في البرلمانات العربية لا يتجاوز 18%، مقارنة بـ 26% على المستوى العالمي.

بعض الدول العربية، مثل تونس والمغرب، استطاعت أن تحقق تقدمًا ملحوظًا عبر تبني سياسات تشجع على مشاركة النساء في البرلمان والمجالس المحلية. في المقابل، لا تزال دول أخرى متأخرة جدًا، حيث تواجه النساء عراقيل قانونية واجتماعية تعيق وصولهن إلى مواقع صنع القرار.

الخبيرة السياسية الأردنية لينا الحسن، المختصة في قضايا المشاركة السياسية، ترى أن “الكوتا النسائية لم تكن كافية لتحطيم السقف الزجاجي الذي يمنع النساء من الوصول إلى مراكز النفوذ الفعلي. ما يحدث في كثير من الأحيان هو أن النساء اللواتي يصلن إلى البرلمان أو الحكومة يتم تهميشهن، أو يُستخدمن كواجهة شكلية دون أن يكون لهن تأثير حقيقي في القرارات السياسية”.

العوائق القانونية: بين الإصلاحات الشكلية والممارسات الواقعية

رغم أن معظم الدساتير العربية لا تمنع النساء من الترشح لمناصب سياسية، إلا أن القوانين الانتخابية نفسها قد تتضمن عقبات غير مباشرة. بعض الأنظمة الانتخابية لا تعطي مساحة كافية للنساء للمنافسة الفعلية، كما أن الأحزاب السياسية لا تزال تفضل ترشيح الرجال في الدوائر القوية، مما يجعل فرص النساء محدودة في الفوز بمقاعد ذات تأثير حقيقي.

تقول المحامية اللبنانية نهاد مراد، المتخصصة في التشريعات الانتخابية، إن “القوانين لا تزال مكتوبة بطريقة تخدم الذكور في العملية السياسية. حتى عندما يتم إقرار نظام الكوتا، نجد أن النساء اللواتي يتم اختيارهن هن في الغالب تابعين للمنظومة الذكورية نفسها، مما يعني أن التأثير الحقيقي للمرأة في صنع القرار لا يزال محدودًا”.

في بعض الدول، تمثل البيروقراطية القانونية حاجزًا إضافيًا، حيث يتم وضع شروط معقدة أمام ترشح النساء، مثل الحاجة إلى دعم مالي كبير أو وجود جهات راعية قوية، وهي أمور تصعب على النساء تحقيقها مقارنة بالرجال الذين يملكون نفوذًا سياسيًا واجتماعيًا أوسع.

أحد التحديات الأكثر تعقيدًا هو النظرة المجتمعية للمرأة في السياسة. في العديد من الدول العربية، لا تزال هناك فكرة راسخة بأن السياسة “عمل رجالي”، وأن المرأة ليست مؤهلة لاتخاذ قرارات حاسمة في القضايا الاستراتيجية أو الأمنية. هذه العقلية تكرسها وسائل الإعلام والخطابات الدينية المحافظة، التي تصوّر المرأة على أنها غير قادرة على تحمل المسؤوليات السياسية.

تشير دراسة أجرتها “مؤسسة المرأة والمجتمع” عام 2022 إلى أن 65% من النساء في العالم العربي يعتقدن أن المجتمع لا يزال يفضل الرجال في المناصب السياسية العليا، حتى لو كانت المرأة تمتلك نفس المؤهلات والخبرة. هذه العقلية لا تؤثر فقط على الناخبات، بل أيضًا على النساء أنفسهن، حيث تتردد كثيرات في دخول المجال السياسي بسبب الخوف من التهميش أو التنمر السياسي.

الناشطة السياسية المصرية سارة الجندي، التي خاضت تجربة الترشح لمجلس النواب، تقول إن “المرأة في السياسة تواجه معركة مزدوجة. عليها أن تثبت كفاءتها في بيئة ذكورية، وعليها أيضًا أن تتعامل مع نظرة المجتمع التي ترى في السياسية امرأة ‘متمردة’ أو ‘فاقدة لأنوثتها’. هذا الضغط النفسي والاجتماعي يجعل كثيرًا من النساء يتراجعن عن خوض التجربة السياسية”.

إلى جانب العوائق القانونية والمجتمعية، تواجه النساء في السياسة مستوى متزايدًا من العنف السياسي، سواء من خلال التهديدات المباشرة أو حملات التشويه التي تستهدف سمعتهن. تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2023 كشف أن النساء السياسيات في العالم العربي يتعرضن لحملات عنيفة عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم استهدافهن بتهم أخلاقية أو نشر معلومات مضللة عن حياتهن الشخصية.

السياسية التونسية ليلى بن عمر، التي شغلت منصبًا وزاريًا، تعرضت لحملة تشويه واسعة بسبب مواقفها الداعمة للمساواة بين الجنسين. في مقابلة معها، تؤكد أن “العنف السياسي لا يقتصر على الإهانات اللفظية أو حملات التشويه، بل يمتد إلى التضييق الإداري والمالي، وحتى إلى تهديدات بالعنف الجسدي في بعض الحالات. الهدف هو دفع النساء إلى الانسحاب وإبقائهن خارج دوائر القرار”.

مقاربات دولية: هل يمكن الاستفادة من التجارب الناجحة؟

عند النظر إلى دول شهدت تقدمًا في تمثيل المرأة سياسيًا، نجد أن العامل المشترك بينها هو وجود إرادة سياسية حقيقية لدعم مشاركة النساء، وليس مجرد إصلاحات شكلية. دول مثل السويد، فنلندا، وكندا، تبنّت سياسات واضحة لتعزيز دور المرأة في السياسة، ليس فقط من خلال الكوتا، بل عبر توفير بيئة داعمة تشمل تمويل الحملات الانتخابية، تقديم تدريبات سياسية، وحماية النساء من العنف السياسي.

في المقابل، لا تزال هذه المقاربات غائبة عن الكثير من الدول العربية، حيث يتم التعامل مع مشاركة المرأة كملف ثانوي، وليس كجزء أساسي من عملية التحول الديمقراطي.

رغم كل التحديات، فإن بعض التجارب العربية أثبتت أن التغيير ممكن. تونس كانت من بين الدول التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة النساء في البرلمان بعد تبني نظام التناصف في القوائم الانتخابية. في المغرب، أدى اعتماد لوائح نسائية إلى زيادة عدد النساء في المجالس المحلية. لكن هذه النجاحات لا تزال محدودة، وتحتاج إلى استراتيجيات أكثر شمولًا لضمان تمثيل حقيقي للمرأة في السياسة.

التغيير لن يحدث فقط من خلال القوانين، بل عبر تفكيك المنظومة الذكورية التي تُقصي النساء من الحياة العامة. التعليم والإعلام لهما دور كبير في هذا التحول، حيث يجب أن تتغير الصورة النمطية للمرأة، من كونها عنصرًا مساعدًا في السياسة، إلى كونها صانعة قرار قادرة على إحداث فرق حقيقي.

الخبير السياسي المغربي عبدالرحمن الكتاني يرى أن “مشاركة النساء في السياسة ليست مجرد قضية مساواة، بل هي ضرورة ديمقراطية. أي نظام سياسي لا يدمج النساء بشكل متكافئ هو نظام يعاني من خلل بنيوي. لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وإلى مواجهة العوائق المجتمعية بجرأة ووضوح”.

في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن المرأة العربية من تحطيم السقف الزجاجي الذي يحد من وصولها إلى السلطة، أم أن السياسة ستظل حكرًا على الرجال، مع هامش محدود للتمثيل النسائي الصوري؟

error: Content is protected !!