مع تسارع التحولات في سوق الطاقة العالمية، أعلنت شركة “إكس.آر.جي”، الذراع الاستثمارية الدولية لـ**”أدنوك”**، بالتعاون مع شركة “بي.بي” البريطانية، عن إتمام تأسيس “أركيوس للطاقة”، المنصة الإقليمية الجديدة للغاز الطبيعي، والتي ستبدأ عملياتها من مصر، في خطوة تعكس التوجهات الاستراتيجية لتعزيز حضور الإمارات في أسواق الطاقة العالمية.
ويعد هذا المشروع المشترك، الذي تمتلك فيه “بي.بي” 51% من الحصص، بينما تمتلك “إكس.آر.جي” 49%، جزءًا من رؤية أوسع للهيمنة على قطاع الغاز الطبيعي، وتقديم حلول طاقة أكثر كفاءة واستدامة في ظل التحولات المتسارعة نحو مصادر طاقة منخفضة الكربون.
في هذا السياق، يقول ناصر سيف اليافعي، الرئيس التنفيذي الجديد لـ”أركيوس للطاقة”، وهو مسؤول مخضرم في “أدنوك”، إن المشروع يمثل “نقلة نوعية في الطريقة التي تنظر بها الشركات العالمية إلى قطاع الغاز في المنطقة”، مشيرًا إلى أن “إطلاق هذه المنصة يعكس التزامنا بتوسيع نطاق عملياتنا في مجال الطاقة منخفضة الكربون، وإيجاد حلول مستدامة لمواكبة الطلب العالمي المتزايد على الغاز”.
لماذا مصر؟ أرض الفرص الواعدة لقطاع الغاز
جاء اختيار مصر لتكون نقطة انطلاق “أركيوس للطاقة” نتيجة لعوامل عديدة، أبرزها الاحتياطيات الضخمة للغاز الطبيعي، خاصة في حقل ظهر العملاق، الذي يُعد أحد أهم الاكتشافات الغازية في البحر المتوسط. إضافة إلى ذلك، تمتلك مصر بنية تحتية متطورة لنقل وتصدير الغاز، ما يجعلها موقعًا استراتيجيًا لجذب الاستثمارات الدولية.
يقول عمر النعيمي، الخبير في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط، إن “مصر لم تعد مجرد سوق إقليمية لإنتاج الغاز، بل أصبحت مركزًا محوريًا لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا، وهو ما يجعلها خيارًا مثاليًا لأي استثمار كبير في هذا القطاع”. ويضيف أن “الشراكة بين “أدنوك” و”بي.بي” تأتي في توقيت حرج، حيث تشهد أسواق الغاز العالمية تحولات كبرى، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية بين أوروبا وروسيا، والتي أدت إلى تسابق الدول الغربية على تأمين مصادر جديدة للطاقة”.
من جانبه، يوضح موراي أوشينكلوس، الرئيس التنفيذي لـ”بي.بي”، أن “أركيوس للطاقة” ليست مجرد مشروع مشترك تقليدي، بل هي “إعادة تعريف لطريقة استغلال موارد الغاز الطبيعي في المنطقة”، مضيفًا أن “هذه الشراكة تستفيد من نقاط القوة لكل من “أدنوك” و”بي.بي”، مما يسمح بتأسيس منصة رائدة تواكب التحولات في قطاع الطاقة العالمي”.
ويتابع قائلاً: “مصر توفر فرصًا هائلة لبناء محفظة غاز تنافسية، ومع “أركيوس للطاقة”، سنتمكن من استغلال هذه الفرص بأقصى طاقتنا”.
أما سلطان الجابر، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة “إكس.آر.جي”، فيؤكد أن هذا المشروع المشترك يتماشى مع استراتيجية “إكس.آر.جي” التي تسعى إلى الاستثمار في منظومة الطاقة العالمية بشكل نوعي، وبناء محفظة متكاملة تساهم في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة منخفضة الكربون.
ويشير إلى أن “العالم يمر بمرحلة تحول كبرى في مجال الطاقة، ومع وجود التزام متزايد بتقليل الانبعاثات الكربونية، تأتي “أركيوس للطاقة” كمبادرة تهدف إلى دعم هذه التحولات من خلال الاستثمار في الغاز الطبيعي كمصدر طاقة انتقالي موثوق”.
ما الذي يجعل “أركيوس للطاقة” مشروعًا فريدًا؟
تتمتع “أركيوس للطاقة” بمجموعة من الامتيازات في مصر، حيث تملك حصصًا في امتياز الشروق الذي يضم حقل ظهر، إضافة إلى امتياز شمال دمياط الذي يضم حقل آتول المُنتج. كما وقعت الشركة اتفاقيات استكشاف جديدة تشمل مناطق شمال الطابية، بيلاتريكس سيتي شرق، وشمال الفيروز.
يقول خالد الدوسري، المحلل في شؤون الطاقة والاستثمارات الدولية، إن “هذا التنوع في الامتيازات يعكس مدى جدية المشروع، حيث لم تكتفِ “أركيوس” بالاستحواذ على أصول قائمة، بل تسعى إلى استكشاف مناطق جديدة، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة في سوق الغاز”.
ويضيف أن “أحد أهم عناصر نجاح هذا المشروع هو الاستفادة من الخبرة الفنية والتكنولوجية المتطورة التي تمتلكها “بي.بي”، إلى جانب الدعم المالي والاستراتيجي من “أدنوك”، مما يمنح الشركة القدرة على تطوير أصول الغاز بكفاءة وسرعة”.
لا تُعد “أركيوس للطاقة” المشروع الوحيد الذي تعمل عليه “إكس.آر.جي”، حيث كشفت “أدنوك” أن الشركة ستواصل التوسع في استثمارات الطاقة منخفضة الكربون عالميًا، مع التركيز على الغاز، الكيماويات، والطاقة المتجددة.
ويقول محمد القحطاني، المستشار في قطاع الطاقة، إن “إكس.آر.جي” تمثل خطوة غير مسبوقة من “أدنوك”، حيث تسعى إلى الخروج من الإطار المحلي إلى نطاق عالمي أوسع، وهو ما يعكس التوجه الإماراتي نحو أن تصبح “لاعبًا رئيسيًا في التحولات العالمية للطاقة”.
ويضيف: “الشركة تمثل واحدة من أكبر الكيانات الاستثمارية في مجال الطاقة، بقيمة تتجاوز 80 مليار دولار، وهو ما يضعها في موقع يؤهلها لتكون قوة محركة في أسواق الغاز والطاقة المتجددة خلال العقد القادم”.
مستقبل “أركيوس للطاقة”: ما التحديات والفرص؟
على الرغم من الفرص الكبيرة التي يوفرها سوق الغاز في المنطقة، إلا أن “أركيوس للطاقة” تواجه مجموعة من التحديات، من بينها التقلبات في أسعار الطاقة، والتوترات الجيوسياسية، والتزامات تقليل الانبعاثات الكربونية.
يقول أيمن زكي، الباحث في شؤون الطاقة والبيئة، إن “المستقبل قد يكون صعبًا إذا لم تستطع “أركيوس للطاقة” الموازنة بين استغلال الغاز الطبيعي والالتزام بالمعايير البيئية العالمية”، مشيرًا إلى أن “الاستثمار في الغاز منخفض الكربون سيكون مفتاح النجاح لهذه الشركة”.
يبدو أن “أركيوس للطاقة” تمتلك كل المقومات لتصبح مشروعًا محوريًا في قطاع الغاز الطبيعي الإقليمي، حيث تستفيد من مزيج من الشراكات الاستراتيجية، الامتيازات القوية، والتكنولوجيا المتطورة. ومع توسع “إكس.آر.جي” في الأسواق الدولية، يمكن أن تكون هذه الشركة مجرد بداية لموجة جديدة من الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة العالمي.
لكن يبقى السؤال الأهم، هل تستطيع “أركيوس للطاقة” ترسيخ نفسها كلاعب رئيسي في قطاع الغاز الطبيعي؟
وهل ستتمكن من التوسع خارج مصر إلى أسواق جديدة في المستقبل؟
مع استمرار التحولات في قطاع الطاقة العالمي، ستكون “أركيوس للطاقة” تحت المجهر، حيث يراقب المستثمرون والخبراء تحركاتها وما إذا كانت قادرة على تحقيق رؤيتها الطموحة.