الأحد. ديسمبر 29th, 2024

أزمة الديون والعجز في فرنسا.. تحديات الاستدامة المالية بين الواقع الاقتصادي ومتطلبات الاتحاد الأوروبي

عادت المخاوف بشأن استدامة المالية العامة في فرنسا إلى دائرة الضوء، في وقت تستعد فيه حكومة ميشال بارنييه لتقديم الموازنة الوطنية لعام 2025 يوم الخميس إلى الجمعية الوطنية (البرلمان)، والتي تأمل من خلالها أن تعالج الديون «الهائلة» والعجز الكبير، وأن تكون متوافقة «بالكامل» مع قواعد الإنفاق الجديدة للاتحاد الأوروبي.

وبلغ الدين العام الفرنسي رقماً قياسياً هو 3.228 تريليون يورو، أي ما يعادل 112 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية. وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى البالغ 60 في المائة الذي حددته لوائح الاتحاد الأوروبي.

أما العجز، فمن المتوقع أن يبلغ ما نسبته 6.1 في المائة من الناتج المحلي هذا العام (من 5.5 في المائة في 2023) أي أعلى من قواعد الاتحاد الأوروبي التي حددت بأن يكون العجز أقل من 3 في المائة. وهو ما دفع ببروكسل إلى توبيخ باريس في يوليو (تموز) الماضي، لخرقها قواعد الموازنة ووضعها في إجراء رسمي.

تواجه فرنسا تحديات كبيرة بشأن استدامة ماليتها العامة، مع دين عام وصل إلى 3.228 تريليون يورو (112% من الناتج المحلي الإجمالي) وعجز متوقع بنسبة 6.1% لعام 2024، وهو ما يتجاوز الحدود التي يحددها الاتحاد الأوروبي. تسعى حكومة ميشال بارنييه لتقديم موازنة 2025 تتماشى مع القواعد الأوروبية، وذلك بخفض العجز تدريجياً إلى 5% في 2025 و3% في 2029. من بين تدابير الحكومة زيادة الضرائب على الشركات الكبرى وفرض “مساهمة خاصة” على أغنى دافعي الضرائب، مما قد يجلب 20 مليار يورو سنوياً.

لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهداً كبيراً لم يُبذل مثله من قبل في فرنسا، إذ يتعين توفير 110 مليارات يورو لتقليل العجز حتى 2027. يُواجه هذا المسار الاقتصادي انتقادات، حتى من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حذر من أن رفع الضرائب قد يؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي. هذه التحديات تدفع الحكومة للبحث عن توازن بين تحقيق أهداف مالية صارمة والحفاظ على بيئة اقتصادية تدعم النمو وخلق فرص العمل.

تطرح فرنسا نفسها في إطار محاولات لخفض الدين والعجز بهدف تحسين مصداقيتها أمام الاتحاد الأوروبي والأسواق الدولية، إلا أن العقبات المالية الحالية قد تجعل هذه المحاولات صعبة التحقيق في الأطر الزمنية المحددة.

تحليل المشهد المالي في فرنسا يكشف عن تحديات عميقة مرتبطة بالدين العام والعجز المالي، ما يعكس ضعفًا هيكليًا في النظام الاقتصادي الفرنسي. مع وصول الدين إلى 112% من الناتج المحلي الإجمالي، يتطلب الوضع إصلاحات هيكلية جوهرية تتجاوز مجرد إجراءات قصيرة الأجل.

الأبعاد التاريخية: تفاقم الدين الفرنسي على مدى سنوات، لكن أزمة جائحة كورونا عززت من حجم الاقتراض والإنفاق الحكومي لدعم الاقتصاد. تراكمت الفوائد على الديون، ما جعل فرنسا تواجه وضعًا معقدًا يتطلب تغييرات استراتيجية جذرية في هيكلة موازنتها لتحقيق الاستدامة المالية.

الاستجابة الحكومية: حكومة ميشال بارنييه تركز على استراتيجية تشمل ضبط الإنفاق العام وزيادة الإيرادات من خلال تدابير ضريبية تستهدف الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي هو الوصول إلى نسبة عجز أقل من 3%، وهو هدف لم يتم تحقيقه منذ فترة طويلة. الجهود الحكومية تطال العديد من القطاعات، لكنها تواجه معارضة داخلية وحتى من الرئيس ماكرون الذي يرى أن رفع الضرائب على الشركات الكبرى قد يؤثر على النمو الاقتصادي وفرص العمل.

الإصلاحات المالية: تخطط الحكومة لتوفير 60 مليار يورو في عام 2025، بهدف خفض العجز المالي إلى 5%، وهو ما يشير إلى خطورة الوضع والحاجة لتدخلات اقتصادية جادة. أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة هو كيف يمكن تنفيذ إصلاحات جذرية دون التأثير على النمو الاقتصادي، وهو تحدٍ مركب يتطلب إدارة ذكية للميزانية.

المشهد الأوروبي: مع التزامات فرنسا تجاه الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الضغط يزيد من تعقيد الوضع، حيث تتابع بروكسل السياسات المالية الفرنسية بدقة. فرنسا حصلت على تأجيل بعد تعيين حكومة جديدة، لكن الاتحاد الأوروبي يُصر على ضرورة الالتزام بقواعد الإنفاق الجديدة التي تفرضها. التحدي هنا يكمن في التوازن بين تلبية متطلبات الاتحاد الأوروبي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الداخلي.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية: الأثر المتوقع لهذه السياسات سيكون مزدوجًا، فمن ناحية ستؤدي الإصلاحات الضريبية إلى زيادة الإيرادات، لكنها قد تؤثر سلبًا على الاستثمارات وتخلق ضغطًا على الطبقة المتوسطة والغنية. مع وجود تحديات اقتصادية عالمية كارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، قد تجد فرنسا نفسها أمام صعوبات أكبر في تحقيق توازن دقيق بين الإصلاحات الاقتصادية وتحفيز النمو.

الأبعاد السياسية: تواجه حكومة بارنييه ضغوطًا سياسية، ليس فقط من المعارضة الداخلية، بل أيضًا من شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي التي تخشى من تأثيرات هذه السياسات على حياتهم اليومية. ستتطلب هذه الإصلاحات توافقًا سياسيًا واسعًا، لكن الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي قد يؤدي إلى احتجاجات أو حتى اضطرابات سياسية قد تعرقل تنفيذها.

التوقعات المستقبلية: القدرة على تحقيق توازن مالي في ظل ظروف اقتصادية معقدة هي تحدٍ كبير. قد تضطر فرنسا إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الاقتصادية وربما حتى التفكير في سياسات أكثر جذرية لتحقيق استدامة مالية على المدى البعيد.

Related Post