Spread the love

يثير الجدل في ألمانيا حول إمكانية تدخل الجيش الألماني لدعم إسرائيل ضد أي هجوم إيراني مرتقب نقاشاً معقداً حول الالتزامات التاريخية لبرلين تجاه تل أبيب، فضلاً عن التحديات الاستراتيجية والسياسية لهذا القرار. وبينما تؤكد الحكومة الألمانية أن هذا السيناريو لا يزال “افتراضياً”، فإن الضغوط الداخلية والخارجية تتزايد، خاصة مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وهو ما قد يدفع إيران وحلفاءها في المنطقة إلى تصعيد عسكري ضد إسرائيل.

لكن إلى أي مدى يمكن أن تتورط ألمانيا عسكرياً في هذا النزاع؟ وما هي العقبات التي تعترض أي تدخل مباشر للجيش الألماني؟ وما التداعيات السياسية والأمنية لمثل هذا القرار؟

لطالما اعتُبر دعم إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ورغم أن هذا الالتزام ليس ملزماً قانونياً، إلا أنه يشكل ركيزة أساسية للسياسة الأخلاقية لألمانيا، خاصة في ضوء المحرقة النازية التي تعرض لها اليهود في الحرب العالمية الثانية.

جوزيف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، أكد أن ألمانيا ملزمة أخلاقياً بدعم إسرائيل عسكرياً إذا تعرضت لهجوم كبير. وكذلك رودريش كيسويتر، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، اعتبر أن على برلين تقديم دعم عسكري مباشر لإسرائيل، لا سيما في ظل التهديدات الإيرانية المتصاعدة. تورستن فري، القيادي في الحزب الحاكم، دعا إلى الحذر في مناقشة هذا الأمر علنياً، تجنباً لأي تصعيد غير محسوب.

لكن في المقابل، يعارض العديد من المسؤولين الألمان هذا التوجه، محذرين من أن التدخل العسكري قد يكون له تداعيات كارثية على الأمن القومي الألماني وعلى العلاقات مع الدول العربية والإسلامية.

أكد نائب المتحدث باسم الحكومة، وولفغانغ بوشنر، أن النقاش حول التدخل العسكري لا يزال افتراضياً ولم يتم تقديم أي طلب رسمي من إسرائيل حتى الآن. بينما أشار وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، إلى أن الجيش الألماني ليس في وضع يسمح له بالمشاركة في أي مهمة عسكرية لحماية إسرائيل، لا سيما أن هذا القرار يتطلب تفويضاً برلمانياً.

إذن، رغم الالتزام الأخلاقي التاريخي، فإن الموقف الرسمي الألماني لا يزال حذراً للغاية، ما يعكس وجود تردد عميق داخل أروقة الحكم.

تعاني القوات المسلحة الألمانية (البوندسفير) من نقص حاد في التجهيزات والموارد، وهو أمر أقرّ به مسؤولون كبار في الجيش الألماني خلال السنوات الماضية.

في أزمة أوكرانيا، واجهت برلين صعوبات كبيرة في إرسال معدات عسكرية حديثة إلى كييف، مما كشف عن ضعف القدرات القتالية اللوجستية لألمانيا.

يورغن هاردت، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الاتحاد، أكد أن الجيش الألماني قد لا يكون قادراً على المشاركة في عمليات عسكرية حتى لو أرادت برلين ذلك.

التدخل العسكري الألماني في الخارج يتطلب تفويضاً من البرلمان (البوندستاغ)، وهو أمر قد يكون معقداً سياسياً بسبب المعارضة القوية داخل الأحزاب اليسارية والخضراء لمثل هذه الخطوة.

يعد الدستور الألماني صارماً جداً فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية، ما يجعل إرسال قوات إلى الخارج مسألة تخضع لتدقيق قانوني وبرلماني مكثف.

تحذر الأجهزة الأمنية الألمانية من أن أي تدخل عسكري ضد إيران قد يجعل ألمانيا هدفاً لهجمات إرهابية أو عمليات انتقامية من قبل الميليشيات الموالية لطهران في أوروبا.

هناك مخاوف من تصاعد المشاعر المناهضة لبرلين في الدول العربية والإسلامية، خاصة في ظل الرفض الشعبي العربي والإسلامي لأي دعم غربي غير مشروط لإسرائيل.

في الواقع، تمتلك إسرائيل واحدة من أقوى القوات العسكرية في العالم، إضافة إلى دعم غير محدود من الولايات المتحدة، وهو ما يجعل أي تدخل عسكري ألماني رمزياً أكثر منه عملياً.

يمكن لألمانيا أن تعزز دعمها لإسرائيل عبر تصدير مزيد من الأسلحة المتطورة، مثل أنظمة الدفاع الجوي باتريوت.
قد تقدم برلين دعماً لوجستياً واستخباراتياً، مثل مشاركة المعلومات حول النشاطات الإيرانية في المنطقة.
يمكن لألمانيا أن تساهم في تعزيز العقوبات على إيران، بدلاً من المخاطرة بتورط عسكري مباشر.

لكن رغم ذلك، فإن إسرائيل قد تستفيد من الدعم السياسي الألماني كإشارة واضحة لطهران بأن أي هجوم على إسرائيل سيكون له تداعيات دبلوماسية خطيرة. قد يؤدي أي تدخل عسكري إلى انقسامات سياسية حادة داخل ألمانيا، لا سيما بين الأحزاب اليمينية التي تدعم إسرائيل بقوة، والأحزاب اليسارية التي تعارض أي تدخل عسكري خارجي.

من المرجح أن يثير غضب الجاليات المسلمة في ألمانيا، التي تعتبر القضية الفلسطينية قضية محورية، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية واحتجاجات واسعة. التدخل العسكري لصالح إسرائيل قد يضعف العلاقات الألمانية مع الدول العربية والإسلامية، خاصة أن برلين تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع دول الخليج وإيران في الوقت نفسه.

من المحتمل أن تؤثر أي خطوة عسكرية على صفقات اقتصادية واستثمارات عربية في ألمانيا، كما قد تؤدي إلى تجميد التعاون الألماني-الإيراني في بعض المجالات.

قد يكون هناك ضغط أمريكي غير مباشر على ألمانيا لتقديم نوع من الدعم العسكري لإسرائيل، خاصة أن واشنطن تسعى إلى حشد حلفائها لممارسة مزيد من الضغوط على طهران، ويمكن أن يؤدي هذا الجدل إلى اختبار صلابة التحالف داخل الناتو، خصوصاً في ظل التوترات بين الدول الأوروبية بشأن التعامل مع الشرق الأوسط.

رغم أن ألمانيا ترى أمن إسرائيل جزءاً من سياستها الأساسية، إلا أن القيود الدستورية، والضعف العسكري، والمخاوف من التداعيات الإقليمية تجعل أي تدخل عسكري مباشر خياراً غير مرجح حالياً.

يمكن لبرلين أن تقدم دعماً غير مباشر عبر تصدير الأسلحة وتقديم الدعم الاستخباراتي والدبلوماسي، بدلاً من المخاطرة بتورط عسكري قد تكون له عواقب غير محسوبة.

تبقى الواقعية السياسية هي العامل الحاسم في أي قرار ألماني بشأن دعم إسرائيل عسكرياً، حيث يتعين على برلين الموازنة بين التزاماتها الأخلاقية وتحالفاتها الدولية وحساباتها الاستراتيجية. ويبقى السؤال الأهم: هل ستدفع الضغوط الدولية ألمانيا إلى إعادة النظر في موقفها، أم أن برلين ستظل متمسكة بنهجها الحذر في التعامل مع الصراع الإسرائيلي-الإيراني؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!