في تحول لافت في الخطاب الإيراني، أقر قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي بأن إيران عليها “التكيف مع الوقائع” الجديدة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان يشكل حجر الزاوية في محور المقاومة الذي تقوده طهران في المنطقة. هذه التصريحات، التي نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا)، تعكس إدراكًا إيرانيًا متزايدًا بأن مرحلة ما بعد الأسد لن تكون كما كانت، وأن طهران ستضطر إلى إعادة تقييم سياساتها الإقليمية.
محمد شريفي، الباحث في الشؤون الإيرانية، يرى أن “تصريحات سلامي تمثل اعترافًا رسميًا بأن إيران فقدت أهم حلفائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، وهو أمر قد يدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية والتعامل بمرونة مع المشهد الجديد في سوريا”.
هل يعني ذلك تراجع النفوذ الإيراني في سوريا؟
لطالما اعتبرت إيران سوريا قاعدة استراتيجية حيوية لنفوذها الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بربطها المباشر مع حزب الله في لبنان، الذي يعتمد على الأراضي السورية كطريق إمداد رئيسي للأسلحة واللوجستيات. كما استخدمت طهران الأراضي السورية لتعزيز وجودها العسكري من خلال أذرعها المحلية، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المعادلة الأمنية السورية خلال الحرب.
لكن سقوط الأسد بهذه السرعة، قد يهدد الوجود الإيراني في البلاد، خاصة في ظل تصاعد نفوذ قوى إقليمية ودولية أخرى، مثل تركيا، إسرائيل، والولايات المتحدة، والتي قد ترى في الفراغ السياسي الجديد فرصة لتقليص النفوذ الإيراني.
الدكتور سليمان فرحان، الخبير العسكري، يقول إن “إيران لن تتخلى بسهولة عن مكاسبها في سوريا، لكنها قد تضطر إلى تعديل استراتيجيتها الأمنية، والاعتماد على وكلائها المحليين بشكل أكبر بدلًا من الوجود المباشر الذي كان قائمًا في عهد الأسد”.
لقد لعبت سوريا دورًا مركزيًا فيما أسمته إيران “محور المقاومة”، ليس فقط كممر للأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حزب الله، ولكن أيضًا كجسر جغرافي يربط طهران بلبنان وغزة واليمن والعراق. ومع غياب الأسد، يطرح السؤال، هل ستتمكن إيران من الحفاظ على هذا المحور بنفس القوة؟
السيناريو الأول هو أن طهران قد تضطر إلى تعزيز وجودها العسكري المباشر في سوريا من خلال دعم ميليشيات محلية للحفاظ على نفوذها، لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر الاحتكاك المباشر مع إسرائيل وتركيا، اللتين تسعيان إلى تقويض النفوذ الإيراني.
السيناريو الثاني هو أن إيران قد تتجه إلى إعادة ترتيب “محور المقاومة” بحيث يصبح أقل اعتمادًا على سوريا، مع التركيز على تعزيز نفوذها في العراق ولبنان واليمن، وهو ما قد يفسر التصريحات الأخيرة التي أكدت أن “جبهة المقاومة الإسلامية ستواجه بحزم أي محاولات لإضعاف قوتها”.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية، موسى داوودي، يعتبر أن “إسرائيل ستسعى إلى استغلال الوضع الجديد في سوريا لتوجيه ضربات قاصمة للوجود الإيراني هناك، خاصة إذا شعرت أن طهران تحاول تعزيز وجودها العسكري المباشر”.
إلى جانب الوجود الإيراني، هناك ثلاث قوى رئيسية تتحرك في المشهد السوري الجديد، فتركيا، التي لديها قوات عسكرية متمركزة في الشمال السوري، وهي تعتبر سقوط الأسد فرصة لتعزيز نفوذها ضد القوات الكردية التي تدعمها واشنطن، مما يعني احتمال تصاعد التوترات بينها وبين الولايات المتحدة. وكذلك إسرائيل التي سارعت إلى تكثيف غاراتها الجوية في الجنوب السوري، خاصة في المنطقة العازلة على الحدود مع الجولان، حيث تسعى إلى منع أي تعزيز إيراني جديد.
والولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في سوريا عبر قواتها المتحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تحديد مستقبل البلاد.
في هذا السياق، فإن إيران قد تجد نفسها معزولة في سوريا إذا لم تتمكن من التوصل إلى تفاهمات جديدة مع القوى الكبرى، أو إذا قررت هذه القوى العمل على استئصال النفوذ الإيراني نهائيًا.
الباحث محمد شريفي يشير إلى أن “الوضع الجديد في سوريا قد يكون أسوأ سيناريو لإيران منذ عام 2011، حيث لم تعد قادرة على الاعتماد على الأسد كنقطة ارتكاز، مما يجعلها عرضة لهجمات إسرائيلية وأمريكية أكثر عنفًا”.
إيران وإسرائيل: هل نحن أمام مواجهة عسكرية مباشرة؟
إحدى النقاط الأكثر إثارة للقلق في المشهد الجديد هي احتمالية تصاعد الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل، حيث تسعى تل أبيب إلى منع أي محاولة إيرانية لإعادة التمركز في سوريا.
مع غياب الأسد، قد تجد إيران نفسها مضطرة لاتخاذ موقف أكثر عدوانية لحماية وجودها، خاصة إذا ما استمرت الغارات الإسرائيلية التي تستهدف قواعدها وميليشياتها في الداخل السوري.
الباحث في الشؤون الإسرائيلية، موسى داوودي، يبين أن “إسرائيل قد تستغل الفوضى في سوريا لتكثيف ضرباتها ضد المواقع الإيرانية، مما قد يدفع طهران إلى الرد عبر حزب الله أو الميليشيات العراقية”.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن إيران تواجه أصعب اختبار استراتيجي لها في سوريا منذ بداية تدخلها عام 2011، حيث تجد نفسها أمام خيارات صعبة، فإما التكيف مع الواقع الجديد وتقليل وجودها العسكري المباشر، وهو ما قد يضعف نفوذها الإقليمي. أو التصعيد العسكري لمحاولة الحفاظ على مكاسبها، وهو خيار محفوف بالمخاطر في ظل الضغوط الإسرائيلية والتركية والدولية. أو محاولة التوصل إلى تفاهمات مع القوى الكبرى، وهو ما قد يتطلب تنازلات سياسية لم تكن طهران مستعدة لتقديمها في السابق.
مع تغير ميزان القوى في سوريا، لا يمكن لإيران أن تبقى على الهامش، لكن السؤال الأهم: هل ستتمكن طهران من إعادة تشكيل استراتيجيتها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة، أم أن سقوط الأسد سيكون بداية لتراجع نفوذها في المنطقة؟