Iran's Supreme Leader, Ayatollah Ali Khamenei looks at the coffins of members of the Islamic Revolutionary Guard Corps who were killed in the Israeli airstrike on the Iranian embassy complex in the Syrian capital Damascus, during a funeral ceremony in Tehran, Iran April 4, 2024. Office of the Iranian Supreme Leader/WANA (West Asia News Agency)/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
Spread the love

التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل يكشف عن مرحلة جديدة من التوتر الإقليمي الذي ينذر بعواقب وخيمة على استقرار المنطقة، وربما على التوازنات الدولية ككل. التهديدات الإيرانية برد “قاسٍ وغير تقليدي” على أي هجوم إسرائيلي محتمل، خصوصًا على منشآتها النووية والنفطية، لم تأتِ في فراغ، بل تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في العقيدة العسكرية لطهران، التي يبدو أنها مستعدة لاستخدام أدوات ردع غير مسبوقة لمواجهة أي تهديد وجودي.

الهجوم الإيراني في فاتح أكتوبر، الذي استهدف إسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله، شكّل لحظة فارقة في معادلة الصراع. صحيح أن إيران تعمدت، وفق قراءات عسكرية، استخدام صواريخ ذات حمولة تفجيرية محدودة، تجنبًا لإشعال حرب شاملة، إلا أن تلك الضربة حملت رسائل واضحة لإسرائيل وللولايات المتحدة على حد سواء. فالهدف لم يكن التدمير بقدر ما كان اختبارًا عمليًا لمدى قدرة إسرائيل على التصدي لهجوم صاروخي مكثف، والنتائج أظهرت نقاط ضعف في الدفاعات الجوية الإسرائيلية، رغم الدعم الأمريكي الواسع.

إسرائيل، بدورها، تجد نفسها أمام معضلة استراتيجية. فهي من جهة، لا تستطيع تمرير الهجوم الإيراني دون رد، وإلا ستبدو ضعيفة أمام خصومها الإقليميين، ومن جهة أخرى، فإن أي رد واسع قد يفتح الباب أمام حرب إقليمية قد تخرج عن نطاق السيطرة، خصوصًا إذا ردت إيران بالصواريخ الفرط صوتية ذات الحمولة الكبيرة، والتي قد تسبب أضرارًا جسيمة في البنية التحتية الإسرائيلية.

الأمر الذي يعقد المشهد أكثر هو دور الولايات المتحدة. فبينما ترغب واشنطن في احتواء التصعيد وعدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إيران، تجد نفسها مضطرة لدعم إسرائيل، خصوصًا بعد أن أصبحت تل أبيب جزءًا من القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط. هذا يعني أن أي مواجهة واسعة بين إيران وإسرائيل قد تتطور سريعًا إلى صراع بين إيران والولايات المتحدة، وهو السيناريو الذي تسعى طهران إلى تجنبه، لكنها في الوقت نفسه، لا تستبعده إذا فُرضت عليها الحرب.

التكتيك الإيراني القائم على إنهاك الدفاعات الجوية الإسرائيلية يبدو أنه يؤتي ثماره، إذ أن إطلاق عدد محدود من الصواريخ كفيل بجعل منظومات القبة الحديدية وأرو (Arrow) ومقلاع داوود تعمل بأقصى طاقتها، وهو ما قد يؤدي إلى استنزاف المخزون الاستراتيجي من الصواريخ الاعتراضية. فإذا قررت إيران تنفيذ هجوم واسع باستخدام صواريخ فرط صوتية ذات حمولة تفجيرية عالية، فإن ذلك قد يعطّل القدرة الدفاعية الإسرائيلية، وربما يدفع تل أبيب إلى اتخاذ خطوات أكثر خطورة، مثل استهداف منشآت نووية إيرانية، ما قد يفتح الباب أمام مواجهة غير مسبوقة في الشرق الأوسط.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل البعد الروسي والصيني في المعادلة. فموسكو وبكين تراقبان المشهد عن كثب، وتدركان أن أي مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل ستؤثر على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. روسيا، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع طهران، قد تستخدم نفوذها للحد من التصعيد، لكنها في الوقت نفسه، قد تستفيد من أي تصعيد يُضعف الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط. أما الصين، التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، فلن ترغب في رؤية حرب تهدد تدفق النفط من الخليج، لكنها أيضًا لن تتدخل عسكريًا لمنع التصعيد.

على الجانب الآخر، تلعب دول الخليج دورًا حاسمًا في هذا الصراع. فبينما تسعى بعض الدول إلى تخفيف التوتر عبر الوساطة، فإنها تدرك أن أي حرب شاملة قد تعني تهديدًا مباشرًا لأمنها الاقتصادي والسياسي. لذلك، قد نرى في الأيام القادمة تحركات دبلوماسية مكثفة لمنع التصعيد، لكن في ظل عدم وجود قنوات تواصل مباشرة وفعالة بين طهران وتل أبيب، تبقى احتمالات سوء الفهم والتصعيد المفاجئ قائمة.

إذا كانت إسرائيل تدرس خياراتها للرد، فإن إيران أيضًا تجهّز ردودها المحتملة، وليس مستبعدًا أن نشهد مرحلة جديدة من الضربات المدروسة التي تهدف إلى فرض قواعد اشتباك جديدة. فطهران تدرك أن امتلاك القدرة على ضرب منشآت حيوية في إسرائيل يشكل ورقة ردع قوية، لكنها في الوقت ذاته، تعلم أن أي هجوم مدمر قد يفتح الباب أمام رد نووي إسرائيلي محتمل، وهو ما يجعل أي خطوة في هذا الاتجاه محفوفة بالمخاطر.

المعادلة الآن شديدة التعقيد، فإسرائيل تريد الحفاظ على هيبتها، لكنها تدرك أن أي ضربة غير محسوبة قد تدفعها إلى حرب إقليمية شاملة. وإيران تريد تعزيز قوة ردعها، لكنها لا تسعى لحرب مفتوحة قد تستنزفها اقتصاديًا وعسكريًا. والولايات المتحدة تحاول تحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومنع انجرارها إلى صراع واسع قد يضعف نفوذها في المنطقة. وبين كل هذه الحسابات، يبقى الشرق الأوسط على حافة الهاوية، حيث قد تكفي شرارة واحدة لإشعال صراع ستكون تداعياته أكبر بكثير مما يمكن التنبؤ به.


“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!