تصريح إيران الأخير بأن قواتها المسلحة لن تدخل في اشتباك عسكري مع إسرائيل ما لم تُستهدف بشكل مباشر، يُعدّ تعبيراً واضحاً عن سياسة الردع التي تتبناها طهران في سياق التوترات المستمرة في الشرق الأوسط. هذه التصريحات تعكس استراتيجية مزدوجة تقوم على الحذر من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته، التأكيد على قدرة “جبهة المقاومة” المدعومة من إيران على الردع والدفاع عن المصالح الإيرانية. لكن، كيف يمكن فهم هذا التصريح في سياق السياسات الإقليمية والتوازنات العسكرية؟
إيران تدرك أن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل قد يحمل عواقب وخيمة، ليس فقط على الصعيد العسكري، ولكن أيضاً على استقرارها الداخلي وعلاقاتها الدولية. بدلاً من ذلك، تعتمد طهران على بناء شبكة من الحلفاء الإقليميين في ما يُعرف بـ”جبهة المقاومة”، والتي تشمل حزب الله في لبنان، والجماعات الفلسطينية المسلحة، وفصائل شيعية في العراق وسوريا واليمن. هذه الشبكة توفر لإيران أدوات للضغط على إسرائيل دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
على الجانب الآخر، تعتمد إسرائيل على استراتيجية الهجمات الاستباقية لضرب النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما في سوريا حيث تستهدف قواعد وشحنات أسلحة يُعتقد أنها موجهة لحزب الله أو لفصائل أخرى مدعومة من إيران. هذه الهجمات تُبقي إيران تحت الضغط وتحد من قدرتها على تعزيز حضورها العسكري بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
التصريحات الإيرانية الأخيرة تشير بوضوح إلى وجود خطوط حمراء: أي هجوم إسرائيلي على المصالح الإيرانية أو مواطنيها سيقابَل برد. لكن هذه الخطوط الحمراء ليست ثابتة، بل تخضع للتغير بناءً على تطورات الميدان السياسي والعسكري. فعلى سبيل المثال: تصاعد التوتر حول البرنامج النووي الإيراني قد يدفع إسرائيل إلى تنفيذ ضربة عسكرية استباقية إذا رأت أن طهران تقترب من إنتاج سلاح نووي. في المقابل، قد تُصعّد إيران عبر استهداف منشآت حيوية إسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر.
الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً في تهدئة التوترات، لكنها تواجه معضلة تحقيق توازن بين دعم إسرائيل والحد من تصعيد قد يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة. واشنطن تُدرك أن أي مواجهة شاملة قد تهدد استقرار الشرق الأوسط بأسره وتؤثر على مصالحها الاستراتيجية.
إيران تعتمد على تكتيك فتح جبهات متعددة ضد إسرائيل، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا. هذا التكتيك يُصعّب على إسرائيل التركيز على جبهة واحدة ويزيد من تكلفة أي تصعيد.
رغم أن التصريح الإيراني قد يبدو محاولة لتهدئة التوترات، إلا أنه يحمل في طياته رسائل أخرى، فإيران تسعى لطمأنة حلفائها في “جبهة المقاومة” بأنها لن تتراجع عن دعمهم، وفي الوقت ذاته تؤكد أن خيار المواجهة مفتوح إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء.
كما أن التصريح يهدف إلى إيصال رسالة لإسرائيل بأن أي هجوم على إيران أو مصالحها لن يمر دون رد. كما يُذكّر الغرب بأن التصعيد مع إيران سيؤدي إلى تداعيات إقليمية خطيرة.
داخلياً، تواجه إيران ضغوطاً اقتصادية وسياسية متزايدة. مثل هذه التصريحات تُستخدم لتعزيز صورة النظام كمدافع عن مصالح البلاد ومواطنيها، ما يمنحه دعماً شعبياً في مواجهة التحديات الداخلية.
من المرجح أن يستمر التوتر بين الطرفين دون الوصول إلى مواجهة مباشرة، حيث يسعى كل طرف إلى تجنب التصعيد الذي قد يخرج عن السيطرة.
قد تؤدي ضربات إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا أو العراق إلى رد محدود من إيران عبر حلفائها، مما يبقي التوتر في إطار يمكن السيطرة عليه.
في حال تجاوزت إسرائيل أو إيران الخطوط الحمراء المرسومة، قد تنجر المنطقة إلى مواجهة شاملة، خاصة إذا ارتبطت هذه التطورات بأزمة دولية كبرى، مثل فشل الاتفاق النووي أو تدخل خارجي كبير.
التوتر بين إيران وإسرائيل يعكس تناقضات عميقة في سياساتهما الإقليمية، حيث تسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذها على حساب الأخرى. ورغم أن الطرفين يُدركان مخاطر التصعيد، إلا أن غياب مسار دبلوماسي حقيقي يجعل من التوتر حالة دائمة تُهدد استقرار المنطقة. يبقى السؤال المطروح: هل يمكن للشرق الأوسط أن يتحمل استمرار هذه اللعبة الخطرة، أم أن الطرفين سيُجبران في نهاية المطاف على إيجاد صيغة جديدة للتعايش؟
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ