European External Action Service (EEAS) Deputy Secretary General Enrique Mora and Iranian Deputy at Ministry of Foreign Affairs Abbas Araghchi wait for the start of talks on reviving the 2015 Iran nuclear deal in Vienna, Austria June 20, 2021. EU Delegation in Vienna/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.
Spread the love

في ظل التوترات الدولية المتصاعدة، تسعى إيران إلى تحقيق توازن حساس في علاقاتها مع القوى الغربية، خصوصاً فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، من خلال مواصلة “الحوار الدبلوماسي” مع هذه الدول رغم الجمود المستمر في المفاوضات النووية. هذا التحرك يأتي في لحظة حاسمة، حيث يلوح في الأفق احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما قد يعيد سياسة “الضغوط القصوى” التي تبناها خلال ولايته الأولى، ويضع إيران أمام تحديات جديدة أكثر تعقيداً.

ما يميز هذه الجولة من المحادثات هو التكتم الشديد حول تفاصيلها، وهو ما يعكس حساسية القضايا المطروحة ومدى تباين المصالح بين الأطراف المختلفة. بالنسبة لإيران، فإن هذه المحادثات تمثل فرصة لدرء المزيد من العقوبات الغربية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة، بينما تنظر الدول الأوروبية إليها كوسيلة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني المتسارع، والذي يقترب بشكل خطير من مستوى التخصيب الذي يسمح بإنتاج أسلحة نووية.

التوتر في العلاقات الإيرانية-الغربية تصاعد بعد قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانة طهران بسبب عدم تعاونها في الملف النووي، ورد إيران بالإعلان عن تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة جديدة في منشآت فوردو ونطنز، مما يشير إلى عزمها على مواصلة توسيع قدرتها على تخصيب اليورانيوم. هذه الخطوة تضعف أي آمال في إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي كان يهدف إلى الحد من قدرات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات.

على الجانب الأوروبي، هناك انقسام واضح بين من يرى ضرورة الحفاظ على قنوات التواصل مع طهران للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومن يدعو إلى فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها. ويبدو أن الموقف الأوروبي الرسمي يميل إلى الحذر، حيث أشار مسؤولون ألمان إلى أن الاتجاه الحالي للبرنامج النووي الإيراني “يسير في الاتجاه الخاطئ”، محذرين من أن تصعيد طهران قد يبرر اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدها.

لكن التحدي الحقيقي الذي تواجهه طهران ليس فقط في علاقاتها مع أوروبا، بل في كيفية إدارة تداعيات عودة ترامب المحتملة إلى السلطة. فقد أظهر الجمهوريون خلال السنوات الماضية موقفاً متشدداً تجاه إيران، ومن المتوقع أن يعيد ترامب فرض مزيد من العقوبات والضغوط في حال فوزه، مما قد يدفع طهران إلى اتخاذ خطوات أكثر تصعيداً في برنامجها النووي، وربما إعادة النظر في عقيدتها النووية، كما ألمح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

ورغم أن طهران تصر على سلمية برنامجها النووي، إلا أن إعلانها عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% يثير تساؤلات جدية حول مدى اقترابها من امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة نووية، وهو ما يقلق الدول الغربية بشكل متزايد. في المقابل، تعتمد إيران على الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والتي تحرم استخدام أسلحة الدمار الشامل، لكن هذه الفتوى وحدها لا تكفي لطمأنة العواصم الغربية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة.

وفيما تستمر المحادثات، يبدو أن الطرفين يسيران على حبل مشدود، حيث تحاول إيران تجنب مزيد من الضغوط الاقتصادية مع الإبقاء على أوراق الضغط النووية في يدها، بينما تسعى أوروبا إلى منع إيران من الاقتراب أكثر من العتبة النووية دون المخاطرة بقطع الحوار تماماً.

السؤال الأساسي الآن هو: إلى متى يمكن أن يستمر هذا التوازن غير المستقر؟ وهل يمكن لإيران والدول الأوروبية التوصل إلى تفاهم يمنع الانزلاق نحو مواجهة أكبر، خاصة مع استمرار الغموض بشأن الموقف الأمريكي في المستقبل القريب؟ من الواضح أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستتخذه هذه الأزمة المستمرة.

ما يزيد من تعقيد المشهد أن المفاوضات الحالية تجري في ظل بيئة إقليمية متوترة، حيث تواجه إيران تحديات إضافية تتعلق بنفوذها في الشرق الأوسط، خاصة بعد الضربات المتتالية التي تعرضت لها حلفاؤها، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، والضغوط المستمرة على الحشد الشعبي في العراق. هذه التطورات تجعل طهران أكثر ميلاً لتوظيف برنامجها النووي كورقة ضغط ليس فقط ضد الغرب، بل أيضاً لضمان استمرار نفوذها الإقليمي المتآكل بفعل المواجهات المستمرة.

في الوقت ذاته، يدرك القادة الأوروبيون أن استمرار الحوار مع إيران هو الخيار الأقل تكلفة مقارنة بخيارات أكثر تصعيداً، مثل فرض عقوبات جديدة أو حتى التلويح بإجراءات عسكرية، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن حلول وسط تضمن الحد الأدنى من الامتثال الإيراني دون دفع طهران إلى الانسحاب التام من أي التزامات دولية. لكن هذه السياسة تبدو محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أن إيران باتت أكثر انفتاحاً على تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، وهو ما قد يجعل نفوذ الغرب على قراراتها النووية أقل تأثيراً.

الأسابيع المقبلة ستحدد ما إذا كانت هذه المحادثات قادرة على منع مزيد من التصعيد أم أنها مجرد محاولة أخرى لشراء الوقت، بينما تواصل إيران تعزيز أوراقها الاستراتيجية استعداداً لأي سيناريو محتمل.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!