Spread the love

في عام 1916، بينما كانت الحرب العالمية الأولى في أوجها، اجتمعت بريطانيا وفرنسا في سرية تامة لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية. ما نتج عن ذلك كان اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت أراضي المشرق العربي بين النفوذ البريطاني والفرنسي، دون استشارة العرب أو إشراكهم في القرار.

لكن هل كانت هذه الاتفاقية مجرد تقسيم استعماري بسيط، أم أنها كانت لحظة حاسمة أعادت تشكيل العالم العربي بشكل لا يزال يعاني منه حتى اليوم؟ ولماذا لم يتمكن العرب من فرض إرادتهم في ذلك الوقت؟

بحلول عام 1916، كانت الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت الشرق الأوسط لقرون، في حالة انهيار. رأت بريطانيا وفرنسا الفرصة سانحة لإعادة رسم المنطقة وفقاً لمصالحهما الاستعمارية. بدأ الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج بيكو مفاوضات سرية لتقسيم المنطقة بين بلديهما، وتم التوصل إلى اتفاق سايكس بيكو، الذي نص على تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ:

فرنسا تحصل على سوريا ولبنان، وجزء من الأناضول.
بريطانيا تحصل على العراق وفلسطين والأردن.
منطقة دولية تشمل فلسطين، دون تحديد تبعيتها النهائية، ما فتح الباب لاحقاً لوعد بلفور.

دور العرب: هل تعرض الشريف حسين للخيانة؟

كان العرب قد حصلوا على وعود من بريطانيا عبر مراسلات حسين – مكماهون، التي تعهدت فيها بريطانيا بدعم إقامة دولة عربية مستقلة مقابل مساعدة العرب في الثورة ضد العثمانيين. قاد الشريف حسين بن علي الثورة العربية الكبرى عام 1916، معتقداً أنه سيحصل على استقلال للعالم العربي.

لكن بينما كان العرب يقاتلون العثمانيين، كانت القوى الأوروبية تخطط لتقسيم أراضيهم، دون أي نية لاحترام وعود الاستقلال. عندما تم الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو بعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، شعر العرب بالخيانة، وأدركوا أن القوى الأوروبية لم تكن تسعى إلا لتحقيق مصالحها الخاصة.

تداعيات الاتفاقية: كيف ولدت الحدود الحديثة للشرق الأوسط؟

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تم تنفيذ الاتفاقية فعلياً، ولكن بتعديلات طفيفة في مؤتمر سان ريمو 1920، الذي رسّخ تقسيم المنطقة وفق النفوذ الأوروبي.

فرنسا احتلت سوريا ولبنان، وقمعت انتفاضات محلية مثل ثورة السوريين عام 1925.
بريطانيا سيطرت على العراق وفلسطين والأردن، وأصدرت لاحقاً وعد بلفور عام 1917، الذي مهد الطريق لإقامة دولة إسرائيل.
تم رسم حدود مصطنعة بين الدول العربية، غالباً دون مراعاة الهويات القبلية أو الطائفية، مما خلق توترات استمرت لعقود.

هل كانت سايكس بيكو سبباً في أزمات الشرق الأوسط اليوم؟

يرى الكثير من المؤرخين أن اتفاقية سايكس بيكو زرعت بذور الأزمات الحالية في الشرق الأوسط، حيث خلقت حدوداً غير طبيعية أدت إلى صراعات قومية وطائفية لاحقة. كان من الممكن أن تنشأ دول عربية موحدة وقوية، لكن التقسيم الأوروبي أبقى المنطقة مجموعة كيانات ضعيفة يسهل السيطرة عليها.

لكن في المقابل، يرى البعض أن العرب لم يكونوا في موقع قوة آنذاك، وأن غياب الوحدة العربية، إلى جانب عدم وجود مشروع سياسي واضح، جعل من السهل على القوى الاستعمارية فرض إرادتها.

بعد أكثر من قرن على توقيعها، لا تزال اتفاقية سايكس بيكو تلقي بظلالها على الشرق الأوسط، حيث تستمر النزاعات الحدودية، وتظل القوى الغربية لاعباً رئيسياً في المنطقة.

لكن السؤال الأهم: هل يستطيع العالم العربي تجاوز هذا الإرث الاستعماري وإعادة تشكيل وحدته، أم أن سايكس بيكو ستظل الإطار الحاكم للعلاقات الإقليمية لعقود قادمة؟

error: Content is protected !!