Spread the love

أعلنت المفوضية الأوروبية عن التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل “ميركوسور”، الذي يضم البرازيل، الأرجنتين، باراغواي، وأوروغواي، في خطوة قد تكون الأكبر في تاريخ الشراكات التجارية. ويهدف الاتفاق إلى إلغاء غالبية الرسوم الجمركية بين الجانبين، مما يخلق سوقًا ضخمة تضم أكثر من 700 مليون مستهلك.

وبحسب أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، فإن هذا الاتفاق يمثل “أكبر شراكة تجارية واستثمارية على الإطلاق”، وسيعود بالفائدة على الطرفين. ومع ذلك، تواجه الصفقة معارضة قوية من داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما من فرنسا، بولندا، وإيطاليا، ما يهدد إمكانية المصادقة عليها.

تأتي هذه الخطوة قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، وسط مخاوف من أن سياسات ترامب التجارية قد تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا.

ويرى الخبير الاقتصادي أحمد العبيدي أن الأوروبيين أرادوا تعزيز علاقاتهم التجارية مع “ميركوسور” قبل أن يبدأ ترامب في فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات، مما قد يجبر الاتحاد الأوروبي على البحث عن أسواق بديلة.

ماذا سيستفيد كل طرف من الاتفاق؟

الاتفاق يمنح دول “ميركوسور” فرصة ذهبية لتصدير المزيد من اللحوم، الدواجن، السكر، والأرز إلى الأسواق الأوروبية بدون رسوم جمركية، مما يعزز قطاعها الزراعي.

في المقابل، ستتمكن الشركات الأوروبية من تصدير السيارات، المعدات الصناعية، الأدوية، والسلع التكنولوجية إلى أمريكا الجنوبية بسهولة أكبر، مما يعزز صادرات الاتحاد الأوروبي إلى المنطقة.

رغم الحماس الأوروبي لإنجاز الاتفاق، إلا أن فرنسا، بولندا، وإيطاليا تقود المعارضة ضد المصادقة عليه، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالزراعة، السيادة الاقتصادية، والبيئة. حيث يعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون الاتفاق “غير مقبول بصيغته الحالية”، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح بإغراق الأسواق الأوروبية بالمنتجات الزراعية القادمة من البرازيل وأمريكا الجنوبية، والتي قد لا تخضع لنفس المعايير البيئية والصحية الصارمة المعتمدة في أوروبا. بينما رفضت الحكومة الإيطالية المشروع، مطالبةً بتعديلات لحماية المزارعين الأوروبيين من المنافسة غير العادلة. أما رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أكد أنه “لن يقبل بمشروع الاتفاق وفق هذه الصيغة”، مشددًا على ضرورة حماية القطاع الزراعي الأوروبي.

كما أعربت النمسا وهولندا عن تردد واضح في دعم الاتفاق، ما يزيد من صعوبة تمريره.

يتطلب تمرير الاتفاق موافقة 15 دولة أوروبية على الأقل، تمثل 65% من سكان الاتحاد الأوروبي. لكن يمكن لفرنسا أن تمنع المصادقة عليه إذا حصلت على دعم ثلاث دول أخرى تشكل أكثر من 35% من السكان الأوروبيين. ومع دعم إيطاليا وبولندا لموقفها، يبدو أن ماكرون قادر على عرقلة الاتفاق إذا لم يتم تعديل بنوده.

أبعاد بيئية: هل الاتفاق كارثة للمناخ؟

يواجه الاتفاق أيضًا انتقادات حادة من المنظمات البيئية التي تحذر من أن إزالة الحواجز أمام الواردات الزراعية القادمة من أمريكا الجنوبية قد تؤدي إلى زيادة إزالة الغابات في الأمازون، وتسريع الاحتباس الحراري.

منظمة “غرينبيس” وصفته بأنه “كارثي على البيئة”، متهمة الاتحاد الأوروبي بالتضحية بالمناخ لصالح أرباح الشركات.
يرى الخبير البيئي جمال ناصر أن الاتفاق قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الانبعاثات الكربونية بسبب زيادة التجارة الزراعية، التي تعتمد على إزالة الغابات وزيادة استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية.

يشعر المزارعون الأوروبيون، وخاصة في فرنسا وإيطاليا، بالغضب تجاه الاتفاق، حيث ينظمون احتجاجات متزايدة ضد ما يصفونه بأنه “منافسة غير عادلة من المنتجات الزراعية القادمة من أمريكا الجنوبية”، والتي لا تخضع لنفس المعايير الصارمة المطبقة في الاتحاد الأوروبي.

يقول المزارع الفرنسي جان بيير دوبوا: “كيف يمكننا أن ننافس اللحوم القادمة من البرازيل، حيث يتم استخدام مبيدات حشرية محظورة لدينا، وحيث التكاليف أقل بكثير؟ إذا تم تمرير هذا الاتفاق، فسيكون نهاية للعديد من المزارع الصغيرة في أوروبا.”

بينما يواجه الاتفاق صعوبات في أوروبا، كشف الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عن أن “ميركوسور” يعمل أيضًا على إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع الإمارات وبنما، مما قد يفتح أسواقًا جديدة لمنتجات أمريكا الجنوبية.

وقال لولا دا سيلفا خلال قمة “ميركوسور” في مونتيفيديو: “لقد وضعنا الأساس لاتفاق تجارة حرة مع بنما، وهناك تقدم سريع في المحادثات مع الإمارات، ونتوقع الانتهاء منها في 2025.”

إلى أين يتجه الاتفاق؟ هل سيتم تنفيذه أم ينهار؟

مع استمرار الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، يبقى مستقبل الاتفاق غير واضح. السيناريوهات المحتملة تشمل؛ إدخال تعديلات على الاتفاق لإرضاء المعارضين الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بالمعايير البيئية والزراعية. ومحاولة تمرير الاتفاق رغم المعارضة، مما قد يؤدي إلى أزمة سياسية داخل الاتحاد الأوروبي، أو تجميد الاتفاق مؤقتًا، بانتظار تغييرات سياسية داخل أوروبا أو في موقف “ميركوسور”.

يعد اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي و”ميركوسور” واحدًا من أكثر الاتفاقيات التجارية تعقيدًا وإثارة للجدل، حيث يتعارض المنظور الاقتصادي الذي يراه البعض فرصة ذهبية، مع المخاوف البيئية والزراعية التي يعتبرها آخرون تهديدًا خطيرًا. وبينما تستمر الضغوط من الناشطين البيئيين والمزارعين الأوروبيين لمنع تنفيذه، يظل السؤال المطروح؛ هل سيتمكن قادة الاتحاد الأوروبي من تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات البيئية؟ وهل يمثل هذا الاتفاق بداية لعهد جديد من التعاون الاقتصادي مع أمريكا الجنوبية، أم أنه سيكون مجرد محاولة أخرى فاشلة لإبرام اتفاق ظل عالقًا لعقود؟

error: Content is protected !!