الاتفاق الأخير بين إيران والولايات المتحدة بشأن إطلاق سراح خمسة أمريكيين محتجزين مقابل الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية يعكس تعقيد العلاقات بين البلدين. يأتي هذا التطور وسط توترات مستمرة تتعلق ببرنامج إيران النووي، وتدخلاتها الإقليمية، والعقوبات الاقتصادية التي ترهق اقتصادها. كيف يمكن تحليل هذا الاتفاق؟ وما هي دلالاته على التوازنات الدبلوماسية بين البلدين؟
يُظهر الاتفاق الذي تضمن نقل أموال إيرانية مجمدة بقيمة ستة مليارات دولار في كوريا الجنوبية إلى حسابات مخصصة للأغراض الإنسانية، أن العلاقة بين واشنطن وطهران لا تزال تعتمد على سياسة المبادلة والصفقات الجزئية. هذه الأموال، رغم قيود استخدامها، تُعتبر متنفساً للاقتصاد الإيراني، الذي يواجه أزمات خانقة بسبب العقوبات.
في المقابل، تضمن الولايات المتحدة إطلاق سراح مواطنيها المحتجزين، مما يمنح إدارة الرئيس جو بايدن إنجازاً دبلوماسياً يمكن أن يُستثمر داخلياً في ظل ضغوط الحزب الجمهوري الذي ينتقد بشدة أي تساهل مع إيران.
يبدو أن إيران تسعى لتعزيز موقفها التفاوضي مع الغرب باستخدام ورقة المعتقلين مزدوجي الجنسية. هذه السياسة، التي تعتمد على احتجاز أفراد كوسيلة ضغط، ليست جديدة لكنها تُبرز طبيعة النظام الإيراني في إدارة أزماته مع القوى الدولية. يُعد هذا الاتفاق بمثابة نجاح مرحلي لإيران، حيث يمكنها توظيف الأموال المحررة في تخفيف أعباء اقتصادية أو دعم حلفائها الإقليميين، رغم القيود المفروضة على استخدام هذه الأموال.
إدارة بايدن، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية، تدرك حساسية الإفراج عن الأموال الإيرانية، خاصة في ظل مخاوف استخدامها في تمويل أنشطة تعتبرها واشنطن “مزعزعة للاستقرار”. تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن بشأن عدم تخفيف العقوبات تعكس محاولة تهدئة الانتقادات الداخلية، لا سيما من الجمهوريين الذين يعتبرون الصفقة تنازلاً لإيران.
الاتفاق يأتي في سياق إقليمي يشهد توترات متصاعدة بسبب تدخلات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. الإفراج عن الأموال قد يعزز قدرة طهران على تمويل هذه الأنشطة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة.
الاتفاق يُبرز دور أطراف ثالثة، مثل كوريا الجنوبية والمصارف الأوروبية، في إدارة الأزمات بين واشنطن وطهران. هذه الأطراف تُظهر أن هناك إمكانيات دبلوماسية للتخفيف من حدة التوترات عبر قنوات غير مباشرة.
الاتفاق أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأمريكية والدولية. الجمهوريون يرون في تحرير الأموال نوعاً من “الفدية”، مما قد يشجع إيران على الاستمرار في استخدام سياسة الاحتجاز كأداة ضغط. من جهة أخرى، يشير محللون إلى أن هذه الخطوة قد تعزز الثقة بين الجانبين، ما قد يمهد لمفاوضات أوسع بشأن البرنامج النووي الإيراني.
يبقى السؤال الأساسي هو ما إذا كان هذا الاتفاق سيفتح الباب أمام مزيد من الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية لتخفيف التوترات دون معالجة القضايا الجوهرية. هل يمكن أن يُستثمر هذا الإنجاز في إحياء الاتفاق النووي؟ وهل سيؤدي الإفراج عن الأموال إلى تخفيف الضغط الداخلي على طهران أم إلى تعزيز سياساتها الإقليمية التصعيدية؟
الاتفاق يعكس تشابك المصالح والتحديات في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة. ورغم كونه خطوة إيجابية من حيث الإفراج عن المعتقلين، إلا أنه يظل خطوة محدودة لا تقدم حلولاً جذرية للأزمات الأكبر. التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على البناء على هذا الاتفاق لتحقيق انفراج دبلوماسي أوسع أو على الأقل منع تصاعد التوترات إلى مواجهات أكثر خطورة.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ