A Sudanese man shows freshly-minted notes of the new Sudanese pound in Khartoum on July 24, 2011 as the country issues new currency following the South's secession from the north. AFP PHOTO/ASHRAF SHAZLY / AFP PHOTO / ASHRAF SHAZLY
Spread the love

وسط الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أعلنت الحكومة السودانية عن استبدال فئتي 500 و1000 جنيه في عدة ولايات، في خطوة تبدو محاولة لاستعادة السيطرة على النظام المصرفي والحد من التضخم.

يرى إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة ورئيس اللجنة العليا لاستبدال العملة، أن “التجاوب الشعبي الكبير مع عملية الاستبدال يعكس وعياً وطنياً متقدماً”، مشدداً على أن الخطوة تهدف إلى إعادة التوازن المالي وتحقيق الاستقرار النقدي في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.

لكن مع تباين وجهات النظر حول العملية، تبرز تساؤلات جوهرية، حول إن كان لاستبدال العملة أن يوقف التدهور الاقتصادي الحاد في السودان، وهل تأتي هذه الخطوة كاستجابة لمتطلبات نقدية أم أنها مجرد محاولة سياسية لتعزيز سيطرة الحكومة على النظام المالي؟

أسباب استبدال العملة: محاولة للسيطرة على الفوضى النقدية؟

أوضح بنك السودان المركزي أن هذه الخطوة جاءت بسبب انتشار عملات مزيفة من الفئات الكبرى، مما تسبب في زيادة الكتلة النقدية المتداولة خارج القطاع المصرفي، وبالتالي ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.

كما أشار البنك إلى أن الهجمات على البنوك ونهب أصولها من قبل قوات الدعم السريع بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 أدت إلى حالة من فقدان الثقة بالنظام المصرفي، مما دفع المواطنين للاحتفاظ بأموالهم خارج البنوك.

ويقول الخبير الاقتصادي وليد دليل إن استبدال العملة في ظل هذه الظروف ليس فقط إجراءً نقدياً تقليدياً، بل هو أيضًا خطوة لإعادة ضبط الاقتصاد المتضرر من الحرب. ويضيف: “عادةً، يتم اللجوء إلى تغيير العملة عندما تكون هناك عمليات تزوير واسعة النطاق أو عندما تفقد العملة جزءًا كبيرًا من قيمتها. لكن في حالة السودان، فإن استبدال العملة قد يكون محاولة لإعادة الأموال إلى النظام المصرفي في ظل انهيار الثقة به منذ اندلاع الحرب”.

وفقًا لتقديرات البنك المركزي، فإن 80% من الكتلة النقدية في السودان تُحتفظ خارج البنوك، وهو ما يعد مشكلة كبرى في بلد يعاني من نقص في السيولة النقدية وتضخم متصاعد.

يرى الخبير المصرفي محمد أحمد الجاك خلال حديثه لـ “شُبّاك” أن “البنك المركزي يحاول من خلال استبدال العملة إجبار المواطنين على إعادة أموالهم إلى المصارف”، مضيفًا أن هذه الخطوة “قد تساعد في إعادة تنظيم القطاع المصرفي لكنها لا تضمن نجاحًا تلقائيًا”.

ويضيف الجاك أن “استعادة الثقة بالمصارف لا يمكن تحقيقه بقرار إداري فقط، بل يتطلب إصلاحات عميقة وضمانات حقيقية للمودعين بأن أموالهم ستكون آمنة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة”.

التحديات أمام تنفيذ الخطة: الانقسام الجغرافي والسياسي

أعلنت قوات الدعم السريع رفضها للعملة الجديدة، مؤكدة أنها ستبقي على الفئات القديمة للتداول في مناطق سيطرتها، ما يعني أن السودان قد يكون في طريقه إلى ازدواجية نقدية تعكس حالة الانقسام السياسي والعسكري.

في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي عبد المنعم الطيب: “ما يحدث الآن هو بمثابة ترسيخ لانقسام اقتصادي فعلي، حيث ستتعامل الحكومة بالعملة الجديدة، بينما تفرض قوات الدعم السريع العملة القديمة في مناطق نفوذها. هذا الوضع قد يؤدي إلى اضطرابات مالية كبيرة ويزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية أكثر مما هي عليه الآن”.

تعاني السودان من تدهور مستمر في قيمة الجنيه، إذ سجلت العملة المحلية انخفاضًا قياسيًا أمام الدولار الأمريكي في السوق السوداء منذ اندلاع الحرب.

ويرى الاقتصادي حسن نور الدين أن نجاح عملية الاستبدال في تحقيق استقرار سعر الصرف يتوقف على قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات النقدية بفعالية، مضيفًا: “تغيير العملة ليس كافيًا وحده. يجب أن يترافق مع سياسات نقدية واضحة، تشمل السيطرة على التضخم، إعادة الثقة في النظام المصرفي، ومحاربة السوق السوداء للعملة. بدون هذه الإجراءات، ستبقى المشكلة قائمة، وقد نشهد استمرار التدهور في قيمة الجنيه حتى مع استبدال العملة”.

الولايات غير المشمولة بالاستبدال: ماذا عن مصيرها؟

رغم تنفيذ عملية الاستبدال في عدد من الولايات مثل نهر النيل، البحر الأحمر، القضارف، كسلا، النيل الأزرق، سنار، والنيل الأبيض، إلا أن 11 ولاية أخرى لم يتم تنفيذ الاستبدال فيها بعد، بما في ذلك ولايات دارفور وكردفان، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.

ويقول البنك المركزي السوداني إن تأجيل عملية الاستبدال في هذه الولايات هو “إجراء تنظيمي لضمان تنفيذ الخطة بشكل محكم”، لكن هناك مخاوف من أن التأخير قد يؤدي إلى فقدان المواطنين في هذه الولايات الثقة في عملية الاستبدال برمتها.

يعتقد بعض المحللين أن استبدال العملة يمكن أن يكون خطوة إيجابية إذا تم تنفيذه بشكل صحيح، لكنه لن يكون الحل السحري للأزمة الاقتصادية في السودان.

يقول عادل سليمان، الخبير في الشؤون المالية: “السودان يعاني من أزمة اقتصادية عميقة تتجاوز مسألة العملة. هناك حاجة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة، تتضمن تحسين بيئة الأعمال، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وضبط الإنفاق الحكومي. بدون هذه الإصلاحات، فإن تغيير العملة قد يكون مجرد إجراء إداري لا يُحدث فرقًا حقيقيًا في الاقتصاد الكلي”.

يبقى استبدال الجنيه السوداني خطوة مهمة في مسار طويل ومعقد لإصلاح الاقتصاد المنهار، لكنه يأتي في ظرف استثنائي شديد الصعوبة. فبينما تحاول الحكومة فرض النظام النقدي الجديد، تواصل قوات الدعم السريع إقامة اقتصاد موازٍ يعتمد على العملة القديمة، مما يجعل التحديات المستقبلية أكبر من مجرد تغيير أوراق نقدية.

ويبقى السؤال الأهم، هل يمكن للسودان تجاوز أزمته الاقتصادية من خلال تغيير العملة وحده؟ وهل يمكن لهذه الخطوة أن تعيد الثقة في النظام المصرفي أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام النقدي؟

في ظل الحرب المستمرة، يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة ستتوقف على قدرة الحكومة على تنفيذ سياسات اقتصادية أكثر شمولاً، تتجاوز مسألة العملة لتشمل إعادة بناء الاقتصاد السوداني بشكل كامل.

error: Content is protected !!