Spread the love

شكّل اغتيال زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران منعطفاً خطيراً في الصراع بين إسرائيل والمحور الإيراني، كما كشف عن ثغرات أمنية عميقة في المنظومة الإيرانية، مماثلة لتلك التي استُغلت سابقاً في اغتيال علماء البرنامج النووي الإيراني. فبينما تبقى التفاصيل حول طريقة تنفيذ الاغتيال غير واضحة، تطرح العملية تساؤلات جوهرية حول قدرة إيران على حماية حلفائها داخل أراضيها، ومدى تغلغل شبكات الاستخبارات الإسرائيلية داخل العمق الإيراني. فما هي السيناريوهات المحتملة لتنفيذ العملية؟ وما تداعياتها الإقليمية؟

رغم تعدد الروايات حول كيفية تصفية هنية، فإن هناك ثلاث فرضيات رئيسية، أولها ورغم ضعفها بعدما استبعد الكثير من المحللين العسكريين حدوث غارة إسرائيلية مباشرة، لأن ذلك يعني بأن أي اختراق للمجال الجوي الإيراني كان سيتم رصده من قبل منظومات الدفاع الجوي الإقليمية، فضلاً عن أن إيران تمتلك شبكة رادارية قوية بالتعاون مع روسيا والصين، مما يجعل احتمال تنفيذ ضربة جوية تقليدية ضعيفاً.

تشير تقارير استخباراتية إلى إمكانية استخدام صاروخ باليستي إسرائيلي متطور ذي مسار مرتفع لتجاوز الدفاعات الجوية الإيرانية. هذه الفرضية تعززها تقنيات الصواريخ الإسرائيلية “أريحا 3” أو صواريخ كروز دقيقة يمكن إطلاقها من غواصات إسرائيلية متواجدة في الخليج، لكن آثار الدمار المحدودة في موقع الاستهداف تجعل هذا السيناريو غير مرجح كلياً.

وفقاً لما أوردته “نيويورك تايمز”، فإن التفجير تم بواسطة قنبلة زرعت في المبنى قبل شهرين وتم تفعيلها عن بعد، وهو تكتيك استخدمته إسرائيل سابقاً في اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده عام 2020.

هذا السيناريو يشير إلى وجود اختراق استخباراتي واسع داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، ما يثير تساؤلات حول مدى تواطؤ أو ضعف بعض الفصائل داخل النظام الإيراني. إن استخدام طائرات مسيرة انتحارية صغيرة أو فرق اغتيال محلية يبقى أيضاً سيناريو محتملاً، خاصة أن إسرائيل سبق أن نفذت عمليات مماثلة داخل إيران باستخدام مسيرات وقنابل مغناطيسية.

كشفت عملية الاغتيال أن إسرائيل لا تواجه صعوبة في تنفيذ عمليات دقيقة داخل إيران، حيث سبق أن نجحت في تصفية علماء نوويين وتخريب منشآت استراتيجية مثل مفاعل نطنز.

الاختراق الأمني الإيراني ليس جديداً، فإسرائيل نجحت مراراً في تجنيد عملاء داخل مؤسسات حساسة، بما في ذلك الحرس الثوري نفسه، كما صرح الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد عام 2021 بأن رئيس قسم مكافحة التجسس الإيراني كان يعمل لصالح إسرائيل.

رغم وجود الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، فإن الفشل المتكرر في منع عمليات الاغتيال يظهر؛ عدم قدرة طهران على تأمين ضيوفها وحلفائها داخل أراضيها، واختراق شبكات الأمن الداخلي من قبل عملاء إسرائيليين، مما يسمح بتسريب مواقع وتحركات الشخصيات المستهدفة، وكذلك ضعف الأجهزة الاستخباراتية في التنبؤ بالتهديدات أو الكشف عن الخلايا النائمة قبل تنفيذ عملياتها.

قد يؤدي اغتيال هنية إلى تصعيد الصراع بين إسرائيل وحماس، خصوصاً أن الحرب في غزة دخلت مرحلة جديدة من المواجهات العنيفة.

إذا ثبت تورط إسرائيل في الاغتيال، فمن المرجح أن ترد حماس أو الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان عبر هجمات تستهدف المصالح الإسرائيلية والأمريكية.

من المحتمل أن تستخدم إيران العملية لتبرير تصعيد عسكري أكبر في الإقليم، عبر دعم فصائلها المسلحة في اليمن ولبنان لمهاجمة السفن الإسرائيلية أو القواعد الأمريكية في المنطقة.

ستواجه إيران معضلة كبرى في تحديد ردها على العملية، فهي بين خيار التصعيد المباشر مع إسرائيل، مما قد يؤدي إلى حرب شاملة، أو الرد غير المباشر عبر وكلائها مثل حزب الله أو الميليشيات العراقية. سبق لإيران أن تبنت استراتيجيات “الانتقام المتأخر”، حيث نفذت عمليات انتقامية بعد فترات طويلة من وقوع الهجوم الأصلي، كما فعلت بعد اغتيال قاسم سليماني عام 2020.

يبقى السؤال الأهم: هل ستغامر إيران بمواجهة مباشرة، أم أنها ستكتفي بردود محسوبة على غرار استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر؟

رغم الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، فإن واشنطن قد لا تكون راضية تماماً عن عملية اغتيال هنية داخل إيران، لأنها قد تؤدي إلى توسيع رقعة الصراع في المنطقة، وهو ما تحاول إدارة بايدن تجنبه.

أي تصعيد بين إيران وإسرائيل قد يجبر الولايات المتحدة على التدخل بشكل أعمق، خاصة إذا استهدفت إيران مصالح أمريكية كرد فعل انتقامي. قد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على البيت الأبيض لمحاولة تهدئة التوترات، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وحرص بايدن على عدم الانجرار إلى صراع جديد في الشرق الأوسط.

عملية اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران تشكل ضربة مزدوجة، ضربة معنوية وسياسية لطهران، لأنها تعكس هشاشة أمنها الداخلي، ورسالة واضحة من إسرائيل بأن أعداءها ليسوا في مأمن حتى داخل العواصم الحليفة لإيران.

لكن في المقابل، قد يكون للاغتيال تداعيات معاكسة تماماً، إذ قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب في المنطقة، ويفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهات بين إيران وإسرائيل تمتد إلى ساحات أخرى مثل سوريا ولبنان والبحر الأحمر.

يبقى السؤال الأهم: هل كان الاغتيال مجرد عملية معزولة ضمن حرب الاستخبارات، أم أنه إشارة إلى مرحلة جديدة من الصراع حيث تسقط جميع الخطوط الحمراء؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!