Spread the love

تشهد ليبيا انسداداً سياسياً حاداً، مع استمرار الخلافات بين المؤسسات الرئيسية في البلاد، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. تتعقد الأزمة بفعل تدخلات خارجية، وصراع المصالح الداخلية، مما جعل المسار نحو الانتخابات وحل الأزمة يبدو بعيد المنال. ومع المبادرات الأممية المستمرة والدعوات للتوافق، تبقى الأسئلة حول قدرة الليبيين على تجاوز هذه العقبات دون التدخل الخارجي قائمة.

اعتماد مجلس النواب قوانين انتخابية في أكتوبر الماضي كان يفترض أن يمهد الطريق نحو الانتخابات، لكنه أثار جدلاً واسعاً بين المؤسسات الليبية. المجلس الأعلى للدولة، برئاسة محمد تكالة، يرفض هذه القوانين ويطالب بالالتزام بمخرجات لجنة 6+6 التي تم الاتفاق عليها في بوزنيقة. هذا التباين يعكس انقساماً عميقاً حول الرؤية المستقبلية لإدارة الانتخابات وتوزيع السلطة.

إحدى القضايا العالقة تتمثل في تشكيل حكومة جديدة موحدة تقود البلاد نحو الانتخابات. هذه المسألة أصبحت محل خلاف بين الأطراف الليبية، حيث تُتهم أطراف خارجية بالتحكم في القرار الداخلي بشأن تشكيل الحكومة. التدخل الخارجي يزيد من تعقيد المشهد، ويضعف فرص التوصل إلى توافق داخلي.

المبعوث الأممي عبد الله باتيلي قدم مبادرة جديدة تهدف إلى جمع الأطراف الليبية للتوصل إلى تسوية سياسية ملزمة. هذه المبادرة تركز على تشكيل حكومة موحدة تكون العمود الفقري للعملية الانتخابية. ورغم الترحيب بها، إلا أن تأثيرها على الواقع العملي يبقى محدوداً في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية بين الأطراف الليبية.

بعثة الأمم المتحدة رحبت بالقوانين الانتخابية لكنها أشارت إلى ضرورة تعديلها لأسباب فنية. هذا الموقف يعكس دور البعثة كوسيط دولي، لكنه يُبرز أيضاً صعوبة إرضاء جميع الأطراف. البعثة تواجه تحديات كبيرة في تقريب وجهات النظر، خاصة مع تدخلات القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها في ليبيا.

تصريحات عضو البرلمان بدر النحيب عن دور الأطراف الخارجية في تشكيل الحكومة توضح مدى تأثير التدخلات الخارجية على المشهد الليبي. هذه التدخلات، التي تتراوح بين دعم أطراف معينة وتمويل جماعات مسلحة، تعيق التوافق الداخلي وتضعف سيادة القرار الليبي.

التباين في مواقف القوى الإقليمية حول الأزمة الليبية يضيف تعقيداً آخر. بينما تدعم بعض الدول طرفاً معيناً لتحقيق مصالحها، تسعى أخرى إلى فرض أجندات تمنع الاستقرار، مما يجعل حل الأزمة أكثر صعوبة.

في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية، واستمرار التدخلات الخارجية، قد يستمر الانسداد السياسي لفترة أطول. هذا السيناريو سيؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب الليبي، وتعطيل المسار الانتخابي، وزيادة احتمالية اندلاع صراعات جديدة.

إذا تمكنت الأمم المتحدة من جمع الأطراف الليبية الرئيسية حول طاولة الحوار، قد يكون هناك أمل في التوصل إلى تسوية مؤقتة. هذا السيناريو يتطلب ضغطاً دولياً وإقليمياً متوازناً لإجبار الأطراف على تقديم تنازلات.

إجراء انتخابات دون توافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة قد يؤدي إلى أزمة شرعية جديدة، حيث لن تُعترف النتائج من جميع الأطراف، مما يعمق الانقسام.

الأزمة السياسية في ليبيا تعكس تداخلاً بين العوامل الداخلية والخارجية، مما يجعل الحل أكثر تعقيداً. تجاوز هذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية صادقة من الأطراف الليبية، مع تقليص التدخلات الخارجية. المبادرات الأممية قد تكون خطوة إيجابية، لكنها لن تحقق النجاح دون التزام حقيقي من القادة الليبيين بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة. يبقى السؤال: هل يمكن لليبيين تجاوز خلافاتهم لتحقيق تطلعات شعبهم، أم أن هذه الأزمة ستظل عالقة في دائرة مفرغة من الانقسام والتدخل الخارجي؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!