Spread the love

شهدت الأسواق الأوروبية تراجعاً حاداً خلال جلسة الأربعاء، متأثرة بالمخاوف من تداعيات انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وما قد يعنيه ذلك للسياسات الاقتصادية والتجارية في القارة العجوز. فبعد بداية إيجابية للجلسة، تراجع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنسبة 0.5% مع إغلاق جميع الأسواق الكبرى على انخفاض، فيما سجل المؤشر الإسباني إيبكس أكبر خسائره اليومية بنسبة 2.9%، متأثراً بمخاوف المستثمرين من اضطرابات اقتصادية وتجارية محتملة.

وبينما كان رد فعل الأسواق الأمريكية أكثر تفاؤلاً، حيث ارتفعت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت إلى مستويات قياسية مدفوعة بتوقعات خفض الضرائب على الشركات، فإن الأسواق الأوروبية كانت أكثر تشاؤماً، نظراً لأن العديد من سياسات ترامب المقترحة تستهدف الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر.

قطاع الطاقة المتجددة تحت الضغط: هل يعطل ترامب التحول الأخضر في أوروبا؟

كان قطاع المرافق والطاقة المتجددة من بين الأكثر تضرراً في الأسواق الأوروبية، حيث انخفضت أسهم أورستيد وفيستاس، وهما من الشركات الرائدة في طاقة الرياح البحرية، بنسبة 12.8%، بينما تراجع القطاع ككل بنسبة 2.6%.

ويعود هذا التراجع إلى المخاوف من أن ترامب قد ينفذ وعوده خلال حملته الانتخابية بإلغاء الموافقات الجديدة على مشاريع طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤثر سلباً على الشركات الأوروبية التي تعتمد على السوق الأمريكية لتمويل جزء من استثماراتها في هذا المجال.

وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي مروان العلي أن “أي تعطيل لمشاريع الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة قد يعيد تشكيل سوق الطاقة العالمي، حيث قد تضطر الشركات الأوروبية إلى إعادة هيكلة استثماراتها، أو البحث عن أسواق بديلة خارج الولايات المتحدة”.

كان قطاع صناعة السيارات في أوروبا أحد أكبر الخاسرين خلال جلسة الأربعاء، حيث تراجعت أسهم كبرى الشركات الألمانية مثل مرسيدس بنز وبي إم دبليو بنسبة 6.5%. ويعود هذا التراجع إلى المخاوف من فرض رسوم جمركية جديدة على واردات السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، في ظل تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات.

ورغم أن شركة بي إم دبليو حاولت التقليل من أهمية هذه التهديدات، فإن المستثمرين ظلوا حذرين، إذ أن أي تصعيد تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تراجع الصادرات الألمانية إلى السوق الأمريكية، التي تعد واحدة من أكبر أسواق السيارات في العالم.

وفي هذا السياق، يقول الخبير المالي فادي نعمان: “السيارات الألمانية تعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية، وأي رسوم جمركية جديدة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقليل التنافسية، وهو ما قد يضر بالمبيعات”.

على النقيض من القطاعات المتضررة، شهد قطاع الدفاع والطيران الأوروبي ارتفاعاً ملحوظاً، حيث قفز مؤشر شركات الطيران والدفاع بنسبة 2.1% إلى مستوى قياسي. ويعود ذلك إلى تصريحات ترامب المتكررة حول تقليص الدعم الأمريكي العسكري لأوروبا، حيث طالب أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 2% أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى محللون أن هذه التصريحات قد تدفع الحكومات الأوروبية إلى تعزيز استثماراتها في قطاع الدفاع، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري في الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، مما يعزز أرباح شركات الأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية.

ويقول المحلل العسكري جلال البكري: “إدارة ترامب قد تجبر الأوروبيين على تحمل مزيد من الأعباء الدفاعية، وهو ما قد ينعكس إيجابياً على قطاع الصناعات العسكرية في أوروبا، حيث ستزيد الحكومات من مشترياتها الدفاعية لتعويض تقليص الدعم الأمريكي”.

التحديات المقبلة: أسعار الفائدة وسياسات ترامب الضريبية

وسط هذه الاضطرابات، يتحول تركيز المستثمرين الآن إلى قرارات أسعار الفائدة المرتقبة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا، حيث قد تحدد هذه القرارات اتجاه الأسواق في الأسابيع المقبلة.

ويترقب المستثمرون أيضاً مدى قدرة ترامب على تنفيذ وعوده المتعلقة بخفض الضرائب على الشركات، وهو ما قد يكون إيجابياً بالنسبة للشركات الأمريكية، لكنه قد يخلق تحديات جديدة أمام المنافسة الأوروبية، حيث قد تضطر الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات مماثلة للحفاظ على جاذبية أسواقها.

وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي سامر الحاج أن “سياسات ترامب الاقتصادية قد تدفع الاقتصادات الأوروبية إلى مزيد من التحديات، خاصة إذا ما اضطرت الحكومات الأوروبية إلى تخفيض الضرائب أو زيادة الدعم للصناعات المحلية للحفاظ على تنافسيتها أمام الولايات المتحدة”.

مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تدخل الأسواق الأوروبية مرحلة جديدة من عدم اليقين، حيث ستظل سياساته التجارية والاستثمارية عاملاً رئيسياً في تحديد اتجاه الأسواق. وبينما قد يستفيد قطاع الدفاع والصناعات العسكرية، فإن قطاعات أخرى مثل الطاقة المتجددة، السيارات، والتجارة الدولية قد تواجه ضغوطاً متزايدة خلال الفترة المقبلة.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتجه أوروبا نحو مواجهة تجارية جديدة مع الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب؟ أم أن الأسواق ستتكيف مع السياسات الجديدة وتجد طرقاً للتأقلم؟

error: Content is protected !!