الخميس. أكتوبر 17th, 2024

الإعلام والجندر.. كيف تؤثر وسائل الإعلام في تشكيل الصورة النمطية للجنسين؟

تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل تصورات الأفراد والمجتمعات حول الأدوار الاجتماعية، بما في ذلك الجندر. من خلال الأفلام، البرامج التلفزيونية، الإعلانات، والمحتوى الرقمي، يتم ترسيخ الصور النمطية حول الجنسين وإعادة إنتاجها بشكل مستمر. هذه الصور تُعزز الفوارق الجندرية وتؤثر على كيفية تعامل المجتمعات مع الأدوار الخاصة بالرجال والنساء، مما يجعل الإعلام أحد أهم الأدوات في نشر المفاهيم التقليدية حول الجندر.

وسائل الإعلام ليست مجرد مرآة تعكس الواقع؛ بل تُساهم بشكل فعال في تشكيل هذا الواقع وصناعته، ما يجعل تأثيرها عميقًا ومستمرًا في إعادة إنتاج الصور النمطية التي تخدم النظام الأبوي وتؤثر في كيفية تصور الأدوار الجندرية. ومع تطور الإعلام الرقمي، أصبحت هذه التأثيرات أكثر انتشارًا وتعقيدًا، مما يستدعي تفكيك العلاقة بين الإعلام والجندر لفهم آثارها ودورها في تغيير المجتمعات أو تأكيد النمطيات القائمة.

الصورة النمطية في الإعلانات.. أدوات تسويقية أم رموز اجتماعية؟

الإعلانات التجارية تُعتبر من أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في نشر الصور النمطية حول الجندر. تكرر الإعلانات صورًا تقليدية لنساء في أدوار منزلية متعلقة بالتنظيف، الطبخ، ورعاية الأطفال، بينما يتم تصوير الرجال في أدوار القيادة، القوة، والنجاح المهني. هذه الصور تعزز الفكرة التي تفترض أن الأدوار الاجتماعية مرتبطة بالبيولوجيا، حيث يتم تصوير النساء كمهتمات بالعائلة والأطفال، والرجال كمعنيين بالعمل والمغامرة.

أظهرت الدراسات أن هذه الصور النمطية تؤثر في تكوين مفاهيم الأفراد منذ الصغر، مما يحد من حرية الخيارات المستقبلية للأطفال ويعزز الفروق الجندرية في المجتمع. الإعلانات لا تنقل فقط المنتجات والخدمات، بل تبني رؤية للعالم تحدد ما هو “مناسب” للرجال والنساء، وهو ما يساهم في تعزيز الأدوار الجندرية التقليدية.

المفكرة النسوية سعاد عبد الحميد، أستاذة الدراسات النسوية والاجتماعية، تقول في حديثها لـ”شُبّاك” بأن وسائل الإعلام لا تزال أداة قوية في تكييف مفاهيمنا عن الجندر، وفي كثير من الأحيان تلعب دورًا سلبيًا في تعزيز الأنماط التقليدية التي تحصر المرأة في إطار ضيق من الأدوار المحددة. هذه الأدوار، التي يتم إنتاجها باستمرار عبر الإعلام، لا تعزز فقط الفروقات الجندرية، بل تساهم في تعميق التمييز ضد النساء.

وتضيف بالقول “أحد الجوانب المهمة هو أن الإعلام لا يعكس فقط القيم المجتمعية ولكنه أيضًا يسهم في تشكيلها. عندما نرى النساء دائمًا في الإعلانات كأمهات أو عاملات منزليات، فإن ذلك يعزز من مفهوم أن هذه هي الأدوار ‘الطبيعية’ لهن. لذلك، من الضروري تفكيك هذه الصور والعمل على بناء سرديات إعلامية جديدة تُبرز المرأة كفرد كامل الحقوق، وتسمح بتنوع هويتها الجندرية والاجتماعية.”

الأفلام والدراما التلفزيونية.. تعزيز الأدوار التقليدية أم تحديها؟

من جهة أخرى، نجد أن صناعة الأفلام والدراما التلفزيونية غالبًا ما تلعب دورًا مهمًا في ترسيخ الصور النمطية. في العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية، يتم تقديم النساء كأجساد للتسويق أو شخصيات داعمة للرجل، بينما يظهر الرجال كأبطال أقوياء. السينما والتلفزيون يعيدون إنتاج نفس الأفكار التي تفترض أن قيمة المرأة مرتبطة بمظهرها الخارجي أو بوظيفتها كزوجة وأم، بينما يتم تقدير الرجل بناءً على قوته، ذكائه، أو نجاحه المهني.

على الرغم من وجود أعمال فنية تسعى لتحدي هذه الصور النمطية، إلا أن الغالبية العظمى من الإنتاج الإعلامي تستمر في تعزيز هذه الفروق الجندرية التقليدية. حتى مع التقدم في تمثيل النساء في أدوار قيادية، لا تزال الصور النمطية تُسيطر على كيفية تصويرهن في الأفلام، حيث يتم التركيز على المظهر الجسدي والجاذبية بدلاً من القدرات والكفاءات.

مواقع التواصل الاجتماعي.. فرص التحرر أم استمرار للهيمنة؟

مع ظهور الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، برزت فرصة جديدة لتحدي هذه الصور النمطية. الإنترنت سمح بظهور منصات تدعو لتغيير الأدوار التقليدية وتشجيع الحركات النسوية على مستوى عالمي. أصبح من الممكن للنساء والأقليات الجندرية أن يصنعن محتوى يعبر عن تجاربهن ويكسرن الصور النمطية التي تعيدها وسائل الإعلام التقليدية.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الإعلام الرقمي نفسه ليس خاليًا من التمييز الجندري. منصات التواصل الاجتماعي غالبًا ما تعيد إنتاج نفس الصور النمطية حول الجندر، من خلال المحتوى الذي يُصنع بهدف التسويق والإعلانات أو حتى من خلال تفاعلات المستخدمين. تظل النساء على الإنترنت عرضة للتنميط الجنسي والتحرش الإلكتروني، مما يعكس استمرارية النظام الأبوي حتى في العالم الرقمي.

الخبير الإعلامي، د.أحمد سعيد، المتخصص في الإعلام والتحليل الثقافي، يتحدث لـ”شُبّاك” مبيناً بأن الإعلام له دور محوري في توجيه الرأي العام، وعندما يتعلق الأمر بالجندر، فإن الكثير من وسائل الإعلام التقليدية والرقمية تستمر في إعادة إنتاج الصور النمطية عن الجنسين. مشيراً إلى أن أحد أكبر التحديات في صناعة الإعلام هو أنه يتم التحكم فيها في الغالب من قبل مؤسسات يهيمن عليها الرجال، مما يجعل سردياتها تتوافق مع مصالح النظام الأبوي. “في صناعة الأفلام أو الإعلانات على سبيل المثال، النساء يتم تصويرهن في أدوار نمطية تقليدية تحصرهن في أدوار الرعاية والجمال، بينما يُمنح الرجال أدوار القيادة والقوة”.

سعيد يؤكد بأن وسائل الإعلام لم تدعم الحركات النسوية بما يكفي، بل على العكس، كثيرًا ما شوّهتها أو قزّمت مطالبها. “على سبيل المثال، بعض الوسائل تصور النسويات على أنهن معاديات للرجال أو يسعين إلى قلب النظام الاجتماعي، وهذا توجه مضر ويمنع الفهم الحقيقي لأهداف الحركة النسوية. هناك حاجة ماسة لإعلام يسلط الضوء على المساواة ويعزز تمثيل المرأة الحقيقي والعادل.”

أحد أبرز التأثيرات السلبية للإعلام على الجندر يتمثل في تشويه صورة الجسد، خاصة لدى النساء. تعرض النساء باستمرار لصورة نمطية لجسد “مثالي” في الإعلانات والأفلام والمجلات. هذه الصور تؤدي إلى تزايد الضغوط النفسية على النساء والفتيات للوصول إلى معايير غير واقعية للجمال، مما يساهم في انتشار اضطرابات الأكل والمشاكل النفسية المتعلقة بتقدير الذات.

الدراسات النفسية أثبتت أن التعرض المستمر لهذه الصور يُعزز من مشاعر القلق وعدم الرضا عن الذات، خاصة بين الفتيات المراهقات. في المقابل، يتم تصوير الرجل كنموذج للقوة البدنية والهيمنة، مما يفرض على الرجال أنفسهم معايير غير واقعية لكيفية التعبير عن رجولتهم وقوتهم.

نحو إعلام يعزز المساواة الجندرية

التغيير في الطريقة التي يتم بها تصوير الجندر في وسائل الإعلام لن يأتي من فراغ. على الرغم من وجود بعض المحاولات من قِبل شركات الإنتاج الإعلامي لتقديم صور أكثر تنوعًا وعدالة للجندر، إلا أن التغيير الحقيقي يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات، مؤسسات الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني.

إحدى الوسائل الفعالة لتغيير هذه الديناميكيات هي تعزيز التمثيل المتوازن بين الجنسين في صناعة الإعلام نفسها. زيادة عدد النساء في مواقع القيادة والإنتاج في وسائل الإعلام يمكن أن يؤدي إلى تغيير في نوعية المحتوى المُقدّم ويضمن تقديم صور أكثر شمولية وتنوعًا للأدوار الجندرية.

وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الرقمية، تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الصور النمطية حول الجندر. على الرغم من أن هذه الوسائل تمتلك القدرة على تغيير هذه الصور وتقديم نماذج أكثر تقدمية وتحررية، إلا أن التحديات المتعلقة بالهيمنة الثقافية للنظام الأبوي لا تزال مستمرة. تغيير هذا الواقع يتطلب تفكيكًا نقديًا للخطابات الإعلامية وتطوير منصات إعلامية جديدة تعكس التنوع الجندري وتروج للمساواة بين الجنسين.

Related Post