في خطوة تهدف إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية والتوافق مع المعايير الضريبية الدولية، أعلنت وزارة المالية الإماراتية عن تطبيق “حد أدنى لمعدل الضريبة الفعلي بنسبة 15%” على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2025.
يأتي هذا القرار في إطار التزام الإمارات بتنفيذ “مشروع حل الركيزتين” لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والذي تم توقيعه من قبل 136 دولة لضمان أن الشركات الكبرى تدفع ضرائب لا تقل عن 15% من أرباحها، مما يحد من التهرب الضريبي.
ما هي الشركات التي ستتأثر بالضريبة الجديدة؟
ستطبق الضريبة الجديدة على الشركات متعددة الجنسيات التي تحقق إيرادات عالمية موحدة لا تقل عن 750 مليون يورو (793.50 مليون دولار) في سنتين على الأقل من أصل أربع سنوات مالية تسبق السنة المالية التي يطبق فيها النظام.
وتُعد الإمارات مركزًا إقليميًا للشركات متعددة الجنسيات، حيث تستضيف العديد من الشركات العالمية التي تعمل في قطاعات النفط، الخدمات المالية، التكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، مما يجعل تأثير هذه الضريبة واسع النطاق.
قبل هذه الخطوة، فرضت الإمارات في يونيو/حزيران 2023 ضريبة بنسبة 9% على الأرباح التي تتجاوز 375 ألف درهم، مع إعفاء المناطق الحرة التي تشكل جزءًا رئيسيًا من البيئة الاقتصادية التنافسية للدولة.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد جابر أن الإمارات “تتحرك بشكل استراتيجي نحو نظام ضريبي أكثر توازناً، حيث تسعى إلى تحقيق عائدات إضافية دون تقويض جاذبيتها كوجهة للاستثمارات الأجنبية”.
إلى جانب فرض الحد الأدنى للضريبة، أعلنت وزارة المالية الإماراتية أنها تدرس تقديم حوافز ضريبية لدعم قطاعات حيوية، تشمل، حافز ضريبي للبحث والتطوير (يبدأ في يناير 2026) بحيث يهدف إلى تشجيع الابتكار والنمو الاقتصادي داخل الدولة. وسيكون الحافز معتمدًا على النفقات وسيُقدم على شكل ائتمان ضريبي محتمل بنسبة تتراوح بين 30% و50%.
قابل للاسترداد بناءً على إيرادات الشركة وعدد موظفيها داخل الإمارات.
كذلك أيضاً حافز ضريبي لأنشطة التوظيف عالية القيمة (يبدأ في يناير 2025) يستهدف الشركات التي توظف مهارات وخبرات عالية القيمة. وسيتم منح الحافز كنسبة مئوية من تكاليف الرواتب المؤهلة للموظفين في الوظائف التي تقدم قيمة اقتصادية مضافة.
ويقول المحلل الاقتصادي خالد الناصر إن هذه الحوافز “تشير إلى أن الإمارات لا تركز فقط على زيادة الإيرادات الضريبية، بل تسعى أيضًا إلى تعزيز القطاعات الاستراتيجية مثل الابتكار والتكنولوجيا والتصنيع المتقدم”.
ما دوافع الإمارات لفرض الضريبة العالمية؟
لقد كانت الإمارات تحت ضغوط متزايدة من دول ومنظمات دولية لاعتماد نظام ضريبي يتماشى مع المعايير العالمية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة التهرب الضريبي. بانضمامها إلى “مشروع حل الركيزتين”، تعزز الإمارات سمعتها كدولة تتبنى سياسات مالية شفافة تتماشى مع التوجهات الاقتصادية العالمية.
كذلك تعتمد الإمارات بشكل متزايد على التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على عائدات النفط. ومن خلال فرض هذه الضريبة، تتجه الإمارات نحو زيادة دخلها من قطاع الشركات متعددة الجنسيات، مما يعزز ميزانية الدولة.
رغم فرض الضريبة، تقدم الإمارات حوافز للشركات لتعزيز الابتكار والتوظيف، مما يضمن بقاءها كوجهة استثمارية جذابة.
ويؤكد الخبير المالي سامي الهادي أن “الإمارات تدرك أهمية التنافسية، لذا فهي تعتمد نهجًا متوازنًا يجمع بين فرض الضرائب وتقديم الحوافز”.
بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات، فإن الشركات الكبرى ستحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها المالية، مع الأخذ في الاعتبار التكاليف الضريبية الجديدة، أما بخصوص المناطق الحرة فإنه من غير المتوقع أن تتأثر بشكل مباشر، حيث لا تزال تتمتع بإعفاءات ضريبية، لكنها قد تواجه تحديات في جذب الشركات التي تبحث عن بيئة خالية تمامًا من الضرائب.
ومن خلال تقديم حوافز البحث والتطوير، قد تصبح الإمارات أكثر جاذبية للشركات التكنولوجية والصناعية التي تعتمد على الابتكار.
هل ستتبع دول الخليج النهج نفسه؟
مع اتجاه الإمارات إلى تعزيز نظامها الضريبي، يبرز تساؤل حول ما إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ستتبع نفس النهج.
ويعتقد الخبير الاقتصادي ياسر الأنصاري أن “دول الخليج الأخرى قد تتبنى ضرائب مماثلة في المستقبل، لكنها ستسعى إلى تحقيق توازن بين تحفيز الاستثمارات وزيادة الإيرادات”.
مع فرض الحد الأدنى للضريبة العالمية على الشركات الكبرى، تتجه الإمارات نحو نظام مالي أكثر نضجًا يتماشى مع المعايير الدولية، مع الحفاظ على جاذبيتها كوجهة استثمارية عبر تقديم حوافز لدعم الابتكار والتوظيف عالي القيمة.
وفي ظل هذا التحول، يبقى السؤال، هل ستؤثر هذه الضريبة على جاذبية الإمارات للشركات العالمية؟ وهل ستشهد دول الخليج الأخرى تحولات مماثلة في أنظمتها الضريبية قريبًا؟
بينما تتضح الصورة خلال الأشهر المقبلة، يبدو أن الإمارات تخطو خطوة جديدة نحو تعزيز استدامتها المالية دون الإضرار بمكانتها كمركز عالمي للأعمال.