Spread the love

يواجه الاتحاد الأوروبي منعطفاً حاسماً خلال عام 2025، حيث تتكثف الضغوط الخارجية والداخلية التي تهدد استقراره ووحدته. فالأوضاع السياسية المضطربة في عواصمه الرئيسية، والعودة المتوقعة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والملفات الساخنة مثل الحرب الروسية-الأوكرانية والتوترات في الشرق الأوسط، جميعها تضعف قدرة الاتحاد على التحرك كقوة سياسية موحدة، مما يعزز الشعور بفقدان السيطرة على موقعه الجيوسياسي.

من أبرز المخاوف الأوروبية اليوم هو التحول الجذري الذي قد يحدث في السياسة الأمريكية مع عودة ترامب، المعروف بمواقفه المشككة في فاعلية الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المتعددة الأطراف. فقد كانت سياساته خلال ولايته الأولى قائمة على تقويض دور حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتعامل مع الاتحاد الأوروبي كمنافس اقتصادي أكثر منه شريك استراتيجي. واليوم، يبدو أن السيناريو يتكرر، حيث تشير الدلائل إلى أن إدارة ترامب قد تقلص الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا، وهو ما سيضعف موقف كييف بشكل خطير أمام موسكو، ويدفع الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة سيناريو غير مسبوق يتمثل في انهيار حليف استثمر فيه سياسياً واقتصادياً منذ بداية الحرب.

التحدي الآخر الذي يقلق الأوروبيين هو إمكانية وقوع انقسام أكبر داخل الاتحاد نتيجة الاضطرابات السياسية المتزايدة في الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا. ففي فرنسا، تواجه الحكومة أزمة وجودية مع تصاعد اليمين القومي، مما يضعف قدرة باريس على الاستمرار في لعب دورها التقليدي كإحدى قاطرات الاتحاد الأوروبي. أما في ألمانيا، فتقترب الانتخابات وسط مخاوف من صعود غير مسبوق لليمين المتطرف، الذي قد يعيد تشكيل المشهد السياسي الألماني، ويجعل برلين أقل انخراطاً في الشؤون الأوروبية، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل فاعلية سياسات الاتحاد في مجالات الأمن والتعاون الاقتصادي.

وعلى الرغم من أن التوترات في أوكرانيا لا تزال القضية الأكثر إلحاحاً، فإن الملف الشرق أوسطي يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة لأوروبا. فبعد قرار بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وإيرلندا، الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتلويح بمذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تجد القارة نفسها في موقف صعب، حيث تتزايد الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لإضعاف أي نفوذ أوروبي في هذا الملف. ومما يزيد من تعقيد الأمور أن إدارة ترامب قد تميل إلى تجاهل أوروبا تماماً في أي مفاوضات متعلقة بالشرق الأوسط، مما يضعف قدرة بروكسل على التأثير في مسار الأحداث هناك.

مع استمرار التباطؤ الاقتصادي في بعض دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا وفرنسا، يزداد الضغط على المفوضية الأوروبية للبحث عن حلول مستدامة تعزز من تنافسية الاتحاد عالمياً. يعتمد الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير على التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والصين، ومع احتمال فرض ترامب لسياسات اقتصادية حمائية، قد يجد الاتحاد نفسه في موقف ضعيف تجارياً، خاصة إذا فرضت واشنطن تعريفات جمركية جديدة على الصادرات الأوروبية.

منذ بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، أصبح ملف الطاقة واحداً من أبرز القضايا التي تؤرق الأوروبيين، إذ تحاول الدول الكبرى في الاتحاد البحث عن بدائل للغاز والنفط الروسيين. ومع عودة ترامب المحتملة، قد تجد أوروبا نفسها مضطرة للبحث عن حلول جديدة لتأمين مصادر الطاقة دون الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة، ما قد يعزز من التعاون مع دول أخرى مثل الجزائر وقطر، لكن دون القدرة على تحقيق الاستقلال الكامل في هذا المجال.

أيضاً من بين القضايا التي قد تتفاقم في 2025 أزمة اللاجئين، حيث تؤدي الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى تدفق مزيد من المهاجرين نحو السواحل الأوروبية. ومع صعود التيارات اليمينية في العديد من الدول الأوروبية، من المتوقع أن تزداد القيود المفروضة على اللاجئين، مما يهدد التزام الاتحاد الأوروبي بالمبادئ الإنسانية التي ينادي بها. كما أن الخلافات بين الدول الأعضاء حول كيفية توزيع اللاجئين قد تؤدي إلى انقسامات أعمق داخل الاتحاد.

في موازاة هذه التحديات، يعاني الاتحاد الأوروبي داخلياً من موجة صعود الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، التي باتت تهيمن على المشهد السياسي في دول رئيسية مثل إيطاليا وهنغاريا وبولندا. هذه الحكومات، التي تتمتع بعلاقات ودية مع ترامب، قد تسعى إلى تشكيل تحالفات سياسية جديدة على حساب التوجه التقليدي الذي تقوده باريس وبرلين، مما يزيد من تفكك الاتحاد الأوروبي، ويؤدي إلى تراجع دوره العالمي.

وبينما تبدو الأوضاع أكثر ضبابية من أي وقت مضى، يتعين على القادة الأوروبيين اتخاذ قرارات حاسمة للحفاظ على وحدة الاتحاد في ظل هذه الظروف الصعبة. فإما أن ينجح الاتحاد الأوروبي في تطوير سياسات دفاعية واقتصادية مستقلة تمكنه من التعامل مع عالم متعدد الأقطاب، وإما أن يجد نفسه مجرد لاعب ثانوي في مواجهة القوى الكبرى التي تعيد رسم المشهد الجيوسياسي وفق مصالحها.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!