Spread the love

اتسع العجز التجاري التركي بشكل ملحوظ خلال ديسمبر/كانون الأول 2024، مسجلًا 8.778 مليار دولار، بزيادة 43.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي. هذه الأرقام تأتي في وقت نمت فيه الصادرات بنسبة 2.1% فقط، لتصل إلى 23.443 مليار دولار، بينما ارتفعت الواردات بوتيرة أسرع بنسبة 10.9% إلى 32.221 مليار دولار، ما فاقم الفجوة التجارية.

ورغم تقلص العجز السنوي بنسبة 22.7% إلى 82.165 مليار دولار على مدار 2024، فإن هذا التحسن لا يعكس بالضرورة استقرارًا اقتصاديًا طويل الأمد، بل هو نتيجة عوامل مؤقتة مثل تراجع قيمة الليرة، وزيادة الضرائب على الواردات، وتقليل الإنفاق الحكومي.

يقول يوسف دمير، الخبير الاقتصادي التركي، إن هذه الأرقام تعكس مشكلة هيكلية في الاقتصاد التركي، ويوضح:
“العجز التجاري المتزايد يعكس ضعف القطاع الصناعي في مواجهة تكاليف الإنتاج المرتفعة، إضافة إلى الاعتماد الكبير على الواردات في الطاقة والصناعات التحويلية. بينما تحاول الحكومة دعم الصادرات، إلا أن المنافسة في الأسواق الخارجية أصبحت أصعب، خاصة مع عدم استقرار السياسات النقدية.”

ويشير دمير إلى أن التحدي الأكبر هو قدرة تركيا على تحقيق نمو مستدام للصادرات دون اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.

انتعاش قطاع السياحة: هل يمكنه إنقاذ الاقتصاد؟

في المقابل، يقدم قطاع السياحة بارقة أمل للاقتصاد التركي، حيث ارتفعت إيراداته بنسبة 8.3% خلال 2024 لتصل إلى 61.1 مليار دولار، مقارنة بـ 56.44 مليار دولار في 2023. هذا النمو يعكس استمرار جاذبية تركيا كوجهة سياحية عالمية، مدعومة بانخفاض قيمة الليرة وتنوع الوجهات السياحية بين المدن الساحلية والمناطق التاريخية.

وشهد الربع الرابع من العام الماضي نموًا كبيرًا في إيرادات السياحة بنسبة 14.5%، ما يعكس زيادة الطلب على السياحة الشتوية وسياحة المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنطاليا.

يقول نهاد يلماز، مستشار الاستثمار السياحي في إسطنبول: “تركيا لم تعد تعتمد فقط على السياحة الصيفية، بل باتت تركز على التنويع، مثل السياحة العلاجية وسياحة المؤتمرات. ومع ذلك، فإن ارتفاع تكاليف التشغيل والخدمات في بعض المناطق قد يحد من استمرار هذا الزخم ما لم يتم تطوير البنية التحتية بشكل متكامل.”

ويرى محللون أن السياحة، رغم مساهمتها الكبيرة في توفير النقد الأجنبي، لا يمكن أن تكون الحل الوحيد لمشاكل الاقتصاد التركي، إذ لا يزال القطاع الصناعي والزراعي بحاجة إلى إصلاحات عميقة لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.

التحديات الاقتصادية المستمرة: ما الذي ينتظر تركيا في 2025؟

يواجه الاقتصاد التركي تحديات كبيرة في العام المقبل، حيث يتعين عليه تحقيق توازن بين دعم الصادرات، وتقليل الواردات غير الضرورية، والاستفادة من القطاعات الاقتصادية الناجحة مثل السياحة.

يقول كمال أكينجي، المحلل المالي في أنقرة: “من الصعب تحقيق الاستقرار الاقتصادي إذا استمرت الفجوة التجارية بالنمو. تحتاج تركيا إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية تعزز الإنتاج المحلي، وتدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد.”

ويضيف أن التحديات المقبلة تشمل استمرار التضخم المرتفع، وضغوط أسعار الفائدة، وضرورة استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يتطلب سياسات نقدية واستثمارية أكثر وضوحًا واستقرارًا.

مع دخول 2025، تبقى السياحة مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة، لكنه لا يكفي وحده لتعويض العجز التجاري المتزايد. ومن دون إجراءات اقتصادية شاملة، فقد تجد تركيا نفسها في وضع صعب، حيث يتراجع الاستهلاك الداخلي بسبب التضخم، بينما تزداد الضغوط على الصادرات بسبب المنافسة الدولية.

الأسئلة التي ستحدد ملامح الاقتصاد التركي خلال العام المقبل هي، هل تستطيع تركيا تخفيف العجز التجاري دون التأثير على الاستهلاك المحلي؟ وهل تستمر إيرادات السياحة في النمو بمعدلات تتيح موازنة العجز المالي؟ وهل ستنجح الحكومة في جذب استثمارات جديدة تعزز الإنتاج المحلي، أم أن الاقتصاد سيبقى رهينة للتقلبات النقدية؟

الإجابات على هذه الأسئلة ستحدد مدى قدرة تركيا على استعادة استقرارها الاقتصادي في ظل بيئة عالمية مضطربة.

error: Content is protected !!