Spread the love

تُجرى الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة في إيران وسط أجواء مشحونة إقليمياً وداخلياً، حيث يستعد أكثر من 61 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم في انتخابات يُتوقع أن تعزز سيطرة المحافظين، وسط غياب أي بديل حقيقي أو منافسة جادة. لكن هذه الانتخابات، التي تُروج لها السلطات على أنها استحقاق ديمقراطي، تواجه واقعاً مغايراً، إذ تشير التوقعات إلى مقاطعة مرتفعة تتجاوز 50%، ما يعكس حجم الاستياء الشعبي من النظام السياسي المغلق.

لكن السؤال الأهم هنا: هل ستكون هذه الانتخابات مجرد محطة أخرى في مسلسل الهيمنة السياسية للمحافظين، أم أنها مؤشر على تصدع الشرعية الشعبية للنظام؟

تأتي هذه الانتخابات في ظل أزمات متعددة يواجهها النظام الإيراني، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، ما يجعلها اختباراً دقيقاً لمدى قدرة الجمهورية الإسلامية على الاحتفاظ بولاء قاعدتها الشعبية.

منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، اعتمد النظام على الانتخابات كوسيلة لإضفاء شرعية شعبية على حكم رجال الدين، لكن هذا النموذج تآكل تدريجياً مع تضييق المجال السياسي واستبعاد أي منافسين حقيقيين للمحافظين.

مجلس الشورى: أصبح البرلمان الإيراني ساحة يسيطر عليها المحافظون والمتشددون، مع استبعاد شبه كامل للإصلاحيين والمعتدلين من خلال لجنة صيانة الدستور، التي تمتلك سلطة رفض ترشيحات المرشحين غير المرغوب فيهم.
مجلس خبراء القيادة: وهو المؤسسة المعنية بتعيين ومراقبة عمل المرشد الأعلى، إلا أنه عملياً يخضع لنفس القوى المحافظة التي تُهيمن على باقي مؤسسات الدولة، مما يجعله هيئة شكلية أكثر منه جهة رقابية حقيقية.

وبالتالي، فما جدوى انتخابات محسومة سلفاً؟

لطالما كانت نسبة الإقبال على الانتخابات في إيران مقياساً غير مباشر لشرعية النظام. وفي ظل المؤشرات على نسبة مقاطعة تتجاوز 50%، يمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:

يعيش الإيرانيون في ظل اقتصاد مترنح بفعل العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة الداخلية، حيث يعاني ملايين المواطنين من التضخم المرتفع والبطالة، ما يعزز إحباطهم تجاه الطبقة الحاكمة.

منذ استبعاد التيار الإصلاحي من المشهد السياسي، يشعر العديد من الإيرانيين بأن الانتخابات لم تعد قادرة على إحداث تغيير حقيقي، ما يدفعهم إلى العزوف عن التصويت.

تصاعدت عمليات القمع ضد المعارضين، لا سيما بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في أعقاب مقتل مهسا أميني عام 2022، حيث باتت السلطات الأمنية تتعامل مع المعارضة بأسلوب أكثر قسوة.

لكن إلى أي مدى يمكن للنظام تجاهل هذه المؤشرات دون أن تؤدي إلى أزمة شرعية؟

لا يمكن فصل الانتخابات الإيرانية عن التطورات الإقليمية المتسارعة، حيث تشهد المنطقة تصعيداً غير مسبوق بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، إلى جانب توترات مستمرة مع الولايات المتحدة ودول الخليج.

لطالما حاولت القيادة الإيرانية تقديم صورة متماسكة عن نظامها السياسي، مستغلة الأزمات الخارجية لحشد التأييد الشعبي. لكن مع تراجع الحماس الشعبي للنظام، هل يمكن لورقة “الوحدة الوطنية” أن تقنع الإيرانيين بالمشاركة؟

استمرار المواجهة بين إيران والغرب بشأن البرنامج النووي يضيف بُعداً آخر لهذه الانتخابات، حيث يتساءل الإيرانيون: هل فشل النظام في تحقيق اختراق اقتصادي، أم أن العقوبات الخارجية هي السبب؟

منذ سنوات، تبنى النظام الإيراني نموذجاً انتخابياً محسوباً، حيث يسمح بوجود انتخابات لكن ضمن نطاق محدود للغاية يضمن بقاء السلطة في يد المحافظين. ومع ذلك، فإن انخفاض نسبة المشاركة قد يدفع النظام إلى إعادة النظر في استراتيجيته السياسية، خوفاً من فقدان الشرعية الشعبية بشكل كامل.

إذا استمر تراجع ثقة الإيرانيين بالنظام، فقد تتجه القيادة إلى مزيد من التضييق السياسي والقمع، كما حدث بعد احتجاجات 2009 و2022.

قد يقدم النظام بعض التعديلات الشكلية، مثل تخفيف القيود الاجتماعية أو تحسين الوضع الاقتصادي، لمحاولة تهدئة الشارع.

استمرار عزوف الشعب عن الانتخابات قد يؤدي إلى زيادة النشاطات الاحتجاجية، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة في المستقبل.

    تمثل هذه الانتخابات محطة أخرى في مسار التراجع الديمقراطي داخل إيران، حيث يتحول المشهد السياسي إلى مجرد إجراء شكلي يهدف إلى إضفاء شرعية مفقودة على نظام يعاني من تراجع التأييد الشعبي. وبينما يحاول المرشد الأعلى علي خامنئي تحفيز الناخبين على المشاركة، يبدو أن الشارع الإيراني لم يعد يثق كثيراً في جدوى العملية الانتخابية.

    ومع استمرار العزوف الشعبي، والتوترات الإقليمية، والانكماش الاقتصادي، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للنظام الإيراني الاستمرار بنفس النهج دون دفع ثمن سياسي على المدى الطويل؟

    “بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

    error: Content is protected !!