منذ نشأة الحياة على كوكب الأرض، شهد الكوكب خمسة أحداث انقراض جماعي أدت إلى زوال أعداد هائلة من الكائنات الحية، لكن العلماء اليوم يحذرون من أننا قد نكون في خضم الانقراض الجماعي السادس، وهو الحدث الذي يتسبب فيه الإنسان نفسه. بسبب التغير المناخي، تدمير الموائل الطبيعية، التلوث، والصيد الجائر، تتراجع أعداد الكائنات الحية بمعدلات غير مسبوقة، لدرجة أن بعض الباحثين يصفون عصرنا الحالي بأنه “عصر الفناء البيئي”.
هل نحن بالفعل نشهد نهاية حقبة بيئية كما نعرفها؟ وهل يمكن إيقاف هذه الكارثة البيئية، أم أن الضرر أصبح خارج نطاق السيطرة؟
الانقراض الجماعي هو حدث يفقد فيه كوكب الأرض نسبة كبيرة من أنواعه الحية خلال فترة قصيرة نسبيًا. على مدار الـ 500 مليون سنة الماضية، شهدت الأرض خمسة أحداث انقراض كبرى، كان أشهرها انقراض العصر الطباشيري الذي أدى إلى اختفاء الديناصورات قبل حوالي 66 مليون سنة بسبب اصطدام كويكب ضخم.
لكن الانقراض الجماعي الحالي مختلف تمامًا، لأنه لا يحدث بسبب كارثة طبيعية، بل بسبب النشاط البشري. وفقًا لتقديرات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، فإن أكثر من مليون نوع من الحيوانات والنباتات معرض لخطر الانقراض خلال العقود القادمة، إذا استمرت الأنشطة البشرية بنفس الوتيرة.
يقول رامي العبدالله، الباحث في علم البيئة والتنوع الحيوي، إن “الفرق بين الانقراضات السابقة والانقراض الحالي هو أن الكائن الحي المسؤول عنه هو الإنسان. نحن لسنا مجرد متفرجين، بل نحن المحرك الرئيسي لهذا الحدث المأساوي”.
أسباب الانقراض الجماعي السادس
هناك العديد من العوامل التي تسهم في تسريع انقراض الأنواع الحية، أبرزها:
تدمير الموائل الطبيعية: يتم فقدان مساحات شاسعة من الغابات والمراعي لصالح الزراعة والمدن والتوسع العمراني، مما يدمر البيئات الطبيعية للحيوانات والنباتات.
التغير المناخي: مع ارتفاع درجات الحرارة، يواجه العديد من الأنواع صعوبة في التكيف مع التغيرات المناخية السريعة، مثل الشعاب المرجانية التي تموت بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات.
الصيد الجائر والاتجار غير المشروع بالحياة البرية: بعض الأنواع مثل وحيد القرن والفيلة تواجه خطر الانقراض بسبب الصيد الجائر والطلب على قرونها وعاجها.
التلوث: سواء كان تلوث الهواء، المياه، أو التربة، فإن النشاط الصناعي والتلوث الكيميائي يسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه للأنظمة البيئية.
إدخال أنواع غازية: عندما يتم نقل كائنات حية إلى بيئات جديدة، فإنها قد تتفوق على الأنواع الأصلية وتؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، كما حدث عند إدخال الأرانب إلى أستراليا، مما تسبب في كارثة بيئية.
تؤكد نسرين الحارثي، المختصة في حفظ الأنواع المهددة، أن “معدل انقراض الكائنات الحية اليوم أسرع بحوالي 100 إلى 1000 مرة من المعدلات الطبيعية، وهذا دليل واضح على أننا نعيش أزمة بيئية غير مسبوقة”.
ما الكائنات الحية الأكثر عرضة للانقراض؟
وفقًا للبيانات العلمية، فإن بعض الكائنات الحية معرضة لخطر الانقراض بشكل خاص، مثل:
الحشرات: رغم أن البشر قد لا يهتمون كثيرًا بالحشرات، إلا أن العلماء يحذرون من أن أكثر من 40% من أنواع الحشرات في العالم معرضة للخطر، مما قد يؤدي إلى انهيار سلاسل الغذاء الزراعية.
الحيوانات الكبيرة (Mega Fauna): الفيلة، وحيد القرن، والنمور تواجه خطر الانقراض بسبب الصيد غير المشروع وتدمير بيئاتها الطبيعية.
الكائنات البحرية: الشعاب المرجانية تفقد حيويتها بمعدلات خطيرة، ويواجه العديد من الأنواع البحرية خطر الاختفاء بسبب التلوث والصيد الجائر.
انقراض بعض الأنواع لا يعني فقط فقدان التنوع البيولوجي، بل قد يؤدي إلى اضطرابات ضخمة في النظم البيئية، حيث أن كل كائن حي يلعب دورًا في استقرار البيئة المحيطة به.
انهيار السلسلة الغذائية: بعض الأنواع مثل النحل والفراشات تلعب دورًا أساسيًا في تلقيح النباتات، وانقراضها قد يؤدي إلى نقص حاد في المحاصيل الزراعية.
انتشار الأوبئة: بعض الدراسات تشير إلى أن تدمير البيئات الطبيعية قد يجعل الحيوانات البرية أكثر احتكاكًا بالبشر، مما يزيد من خطر ظهور أوبئة جديدة مثل فيروس كورونا الذي يُعتقد أنه انتقل من الحيوانات إلى البشر.
زيادة الكوارث البيئية: فقدان الغابات بسبب إزالة الأشجار يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الفيضانات والتصحر.
يقول هيثم العلوي، الخبير في النظم البيئية، إن “اختفاء بعض الأنواع قد يؤدي إلى تأثيرات متسلسلة غير متوقعة، قد تجعل الحياة على الأرض أكثر صعوبة حتى على البشر أنفسهم”.
هل يمكننا إيقاف الانقراض الجماعي؟
رغم التدهور السريع، لا يزال هناك فرصة لإنقاذ الكائنات الحية إذا تم اتخاذ إجراءات عاجلة، من بينها:
توسيع المحميات الطبيعية لحماية الأنواع المهددة والحفاظ على موائلها الطبيعية.
تقليل الانبعاثات الكربونية للحد من تأثيرات التغير المناخي.
حظر الصيد الجائر وتطبيق قوانين أكثر صرامة على تجارة الحيوانات البرية.
تعزيز برامج إعادة التوطين للأنواع التي على وشك الانقراض.
بعض التجارب الناجحة، مثل إعادة توطين طائر الكندور في أمريكا الشمالية أو استعادة أعداد النمور السيبيرية، تثبت أن التدخل العلمي والسياسي الفعّال يمكن أن ينقذ الأنواع المهددة.
مع تزايد فقدان التنوع البيولوجي، يحذر العلماء من أن البشر أنفسهم قد يكونون أحد ضحايا الانقراض الجماعي. تعتمد حياة الإنسان على النظم البيئية التي توفر المياه النقية، الهواء النظيف، والغذاء، وإذا استمرت هذه الأنظمة في الانهيار، فإن تأثيراتها لن تقتصر على الحيوانات، بل ستؤثر على بقاء الحضارة الإنسانية نفسها.
إذا استمر العالم في تجاهل التحذيرات العلمية، فقد نجد أنفسنا قريبًا في عالم أقل تنوعًا وأكثر هشاشة بيئيًا. لكن إذا اتخذت الحكومات والمجتمعات إجراءات حقيقية لحماية الكائنات الحية، فقد يكون هناك أمل في وقف هذا التدهور.
السؤال الأكبر الآن هو: هل سنتحرك في الوقت المناسب لإنقاذ الحياة على الأرض، أم أننا سنكون الجيل الذي شهد انهيار الطبيعة ولم يفعل شيئًا؟
الوقت لا يزال في صالحنا، لكن الساعة البيئية تدق بسرعة مخيفة.