Spread the love

تواجه العلاقات الاستراتيجية بين الصين وباكستان اختبارًا صعبًا في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية التي تستهدف العمال الصينيين المشاركين في مشاريع مبادرة الحزام والطريق داخل الأراضي الباكستانية. ورغم أن الرئيس الباكستاني آصف علي زارداري سعى إلى طمأنة نظيره الصيني شي جين بينغ بأن الصداقة بين البلدين “ستظل ثابتة”، إلا أن التهديدات الأمنية المتزايدة تثير تساؤلات حول مستقبل التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.

لكن يبقى السؤال: هل تستطيع إسلام أباد حماية الاستثمارات الصينية وضمان أمن العمال، أم أن المخاطر المتزايدة ستدفع بكين إلى إعادة تقييم مشاركتها في باكستان؟

الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني: ركيزة استراتيجية تحت التهديد

يُعد الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) أحد المشاريع المحورية ضمن مبادرة الحزام والطريق، حيث يشمل استثمارات تفوق 60 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية، والموانئ، والطاقة، بهدف تعزيز التجارة وربط الصين بموانئ بحر العرب عبر باكستان.

غير أن المشروع أصبح هدفًا رئيسيًا للجماعات المتطرفة، التي نفذت هجمات متكررة ضد العمال الصينيين والمواقع الاستراتيجية. ففي العام الماضي، قتل سبعة صينيين في هجومين منفصلين، مما أثار قلقًا بالغًا في بكين بشأن سلامة مواطنيها ومصير استثماراتها.

يقول الخبير الأمني الباكستاني، عادل خان: “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني هو مشروع حيوي لكلا البلدين، لكنه أصبح أيضًا مغناطيسًا للعنف. الجماعات المسلحة ترى في وجود الصين تهديدًا، وتستخدم الهجمات لتقويض العلاقات بين البلدين، وإرسال رسالة بأن الحكومة الباكستانية غير قادرة على تأمين الاستثمار الأجنبي.”

أعربت الصين مرارًا عن قلقها إزاء الأوضاع الأمنية في باكستان، مطالبةً الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات صارمة لضمان أمن العمال الصينيين. وفي هذا السياق، أكد الرئيس شي جين بينغ أن العلاقات بين الصين وباكستان قوية، لكنها بحاجة إلى مزيد من التعاون في المجال الأمني، مشيرًا إلى أن الممر الاقتصادي يمثل نموذجًا للشراكة الثنائية، لكنه يتطلب بيئة آمنة ومستقرة لتحقيق أهدافه.

يقول ليو وي، الباحث في العلاقات الصينية-الباكستانية: “الصين لن تتخلى عن باكستان، لكنها بدأت في مراجعة نهجها. إذا استمرت الهجمات، فقد تضطر الشركات الصينية إلى تقليص عملياتها، أو طلب ضمانات أمنية أقوى، وربما حتى تدخل أمني مباشر.”

وفي هذا الإطار، هل ستقبل باكستان بوجود أمني صيني موسع لحماية المشاريع؟

مخاوف باكستان: بين الحاجة إلى الاستثمارات والسيادة الوطنية

من جانبها، تدرك الحكومة الباكستانية أن استمرار الاستثمارات الصينية أمر حيوي للاقتصاد الباكستاني المتعثر، حيث تعتمد إسلام أباد بشكل كبير على التمويل الصيني في مشاريع البنية التحتية والطاقة. ومع ذلك، فإن السماح بوجود أمني صيني موسع داخل الأراضي الباكستانية قد يثير اعتراضات داخلية من القوى السياسية والجماعات المعارضة.

يقول المحلل السياسي الباكستاني، فهد يعقوب: “إسلام أباد في موقف صعب، فهي بحاجة إلى الصين اقتصاديًا، لكنها لا تستطيع تجاهل المعارضة الداخلية لأي وجود أمني صيني. السؤال الآن هو: كيف ستتمكن الحكومة من تحقيق التوازن بين حماية الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على سيادتها الوطنية؟”.

مع استمرار الهجمات الإرهابية والمخاوف الأمنية، يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل التعاون بين بكين وإسلام أباد، فإما أن تتمثل بزيادة الدعم الأمني الباكستاني حيث قد تضطر إسلام أباد إلى تكثيف العمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة، وتعزيز التعاون الأمني مع الصين. أو طلب الصين ترتيبات أمنية خاصة؛ مثل إرسال قوات أمنية صينية لحماية مشاريعها، وهو خيار قد يثير انقسامات داخل باكستان. أو إعادة تقييم الاستثمارات الصينية؛ ففي حال استمرار التهديدات، قد تقوم بكين بتقليص استثماراتها أو إعادة توجيهها إلى دول أكثر استقرارًا. أو التعاون الأمني الإقليمي من خلال اتفاقيات أوسع بين الصين وباكستان وربما دول أخرى في المنطقة لمكافحة الإرهاب وتأمين المشاريع الاقتصادية.

رغم تأكيدات زارداري وشي جين بينغ على متانة الصداقة بين البلدين، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى تحديات كبيرة قد تهدد مستقبل التعاون الاقتصادي بين بكين وإسلام أباد.

وفي ظل تصاعد المخاطر الأمنية، يبقى السؤال المطروح؛ هل تستطيع باكستان السيطرة على الوضع الأمني بما يكفي للحفاظ على ثقة الصين، أم أن الهجمات ستدفع بكين إلى إعادة التفكير في استثماراتها الاستراتيجية داخل البلاد؟

الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وما إذا كان سيظل رمزًا للشراكة الاقتصادية، أم يتحول إلى عبء أمني يهدد العلاقات بين البلدين.

error: Content is protected !!