Spread the love

تصاعدت التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) مع إعلان موسكو أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تحركات الحلف لزيادة السيطرة على بحر البلطيق، حيث صرّح نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، بأن روسيا لن تسمح بتحويل البحر إلى منطقة نفوذ حصرية للناتو.

وأضاف غروشكو، في تصريحات نقلتها قناة “روسيا-24″، أن قرار الحلف بتكثيف الدوريات البحرية والجوية في بحر البلطيق يعكس طموحاته التوسعية، لكنه شدد على أن موسكو ستتخذ التدابير اللازمة لمنع ذلك، دون الكشف عن طبيعة هذه التدابير أو مدى تصعيدها.

انضمام فنلندا والسويد للناتو: ضربة جديدة لموسكو؟

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، باتت مكانة روسيا في بحر البلطيق أضعف من أي وقت مضى، خاصة بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، مما زاد الضغط الاستراتيجي على موسكو. الدولتان، اللتان كانتا محايدتين لعقود، أصبحتا الآن جزءًا من منظومة الدفاع الجماعي للحلف، ما يعني أن حركة القوات الروسية في البحر أصبحت محاصرة بشكل أكبر.

وبحسب تقارير عسكرية غربية، فإن فنلندا والسويد تعتزمان تعزيز وجودهما العسكري في المنطقة، بما يشمل تكثيف الدوريات الجوية والبحرية، وتعزيز قدرات المراقبة والاستخبارات البحرية، ما يجعل أي تحرك روسي في بحر البلطيق أكثر صعوبة من السابق.

قرار الناتو بتعزيز الدوريات في بحر البلطيق جاء كرد فعل مباشر على سلسلة من الحوادث الغامضة التي شهدها البحر خلال الأشهر الأخيرة، والتي تضمنت إلحاق أضرار بكابلات الطاقة والاتصالات البحرية.

تشير مصادر أمنية غربية إلى أن روسيا قد تكون وراء هذه العمليات التخريبية، في محاولة لإرسال رسالة تحذيرية للناتو بعد توسعه الأخير. ورغم عدم وجود دليل قاطع حتى الآن يثبت تورط موسكو، فإن الحلف الغربي يرى في هذه الحوادث نمطًا مقلقًا من الحرب الهجينة التي تعتمد على التخريب غير المباشر.

يقول الباحث في الأمن الإقليمي الأوروبي، أكرم تلاوي، إن “روسيا تختبر حدود الصبر الغربي عبر استخدام تكتيكات غير تقليدية مثل التخريب البحري والعمليات السيبرانية، وهو ما قد يدفع الناتو إلى رد أكثر حدة خلال الفترة المقبلة”.

هل يقترب بحر البلطيق من مواجهة عسكرية؟

مع تصاعد التصريحات الروسية، وتحركات الناتو لتعزيز وجوده في البحر، بات السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى مواجهة عسكرية مفتوحة؟

يرى الباحث في الأمن الإقليمي الأوروبي، أكرم تلاوي، أن “بحر البلطيق أصبح اليوم أحد أكثر المناطق العسكرية توترًا في أوروبا، ومع ازدياد النشاط العسكري للحلف والردود الروسية المحتملة، فإن احتمال حدوث مواجهة محدودة لا يمكن استبعاده بالكامل”.

في المقابل، يؤكد المحلل الروسي ديمتري سوكولوف أن “موسكو لا تسعى إلى صدام مباشر مع الناتو، لكنها لن تسمح بأن يتحول بحر البلطيق إلى منطقة نفوذ خالصة للغرب”. ويرى أن الكرملين قد يلجأ إلى تعزيز وجوده البحري أو استخدام قدراته العسكرية لردع أي تحركات يراها تهديدًا مباشرًا.

في ظل استمرار حالة التصعيد المتبادل بين روسيا والناتو، يبدو أن بحر البلطيق سيظل منطقة توتر جيوسياسي رئيسية خلال السنوات المقبلة. وبينما يحاول الحلف تعزيز وجوده في المنطقة لحماية أعضائه الجدد وردع أي تهديدات محتملة، تتوعد موسكو باتخاذ إجراءات مضادة قد تزيد من حالة عدم الاستقرار.

يبقى السؤال المطروح؛ هل ستحافظ الأطراف على التوتر ضمن إطار الحرب الباردة الجديدة، أم أن الحسابات الاستراتيجية قد تدفع نحو مواجهة أكثر خطورة؟ الأيام القادمة قد تحمل المزيد من الإجابات في هذا الصراع المتصاعد.

لقد كان بحر البلطيق في العقود الماضية ساحة نفوذ متقلبة، لكن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو قلب موازين القوى بالكامل. قبل هذا الانضمام، كان لروسيا مدخل استراتيجي إلى البلطيق عبر كالينينغراد وسانت بطرسبرغ، لكن اليوم، تجد موسكو نفسها محاصرة بوجود مباشر للناتو على طول حدودها الشمالية الغربية.

هذا التغير يقلّص قدرة روسيا على المناورة في البحر، ويجعل أي تحركات بحرية روسية مرصودة بشكل مباشر من قبل القوات الغربية. هذا التطويق العسكري الجديد قد يدفع موسكو إلى تغيير عقيدتها الدفاعية والهجومية في المنطقة، عبر تعزيز التواجد البحري أو حتى استخدام الحرب السيبرانية والتخريب البحري كسلاح استراتيجي لتعويض الخسائر الجيوسياسية.

error: Content is protected !!