الخميس. أكتوبر 17th, 2024

“التطبيع المشروط” قراءة في موقف ولي العهد السعودي واحتمالات العلاقات مع إسرائيل

أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الثامن عشر من سبتمبر، مواصلة المملكة للعمل الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وشدد بن سلمان، في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، على أن المملكة “لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك”.

تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن العلاقات المحتملة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، تسلط الضوء على موقف المملكة الثابت إزاء القضية الفلسطينية. التأكيد على أن السعودية لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية يعكس التزامًا طويل الأمد بالقضية الفلسطينية كشرط أساسي لأي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل.

التصريحات تتزامن مع تغيرات كبرى في المشهد الإقليمي، حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات مهمة مع توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية تحت مظلة “اتفاقيات إبراهيم” في عام 2020. بينما انضمت الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب إلى هذه الاتفاقيات، ظلت السعودية ثابتة في موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية، وهو ما أكده بن سلمان مجددًا في هذا الخطاب.

هذا الموقف يُظهر أن المملكة تدرك أهمية الحفاظ على صورتها كمدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة والضغوط الدولية والإقليمية التي تسعى إلى توسيع دائرة التطبيع مع إسرائيل. كما يعكس حرص السعودية على مراعاة الشارع العربي والإسلامي الذي ينظر إلى القدس باعتبارها قضية دينية وسياسية مركزية.

رغم الموقف الصارم الذي عبر عنه ولي العهد، فإن التصريح لا يُغلق الباب نهائيًا أمام احتمال إقامة علاقات مع إسرائيل في المستقبل. بدلاً من ذلك، يشترط بن سلمان تحقيق تقدم ملموس في القضية الفلسطينية، وهو ما يُترك مفتوحًا للتفسير وفق التطورات المستقبلية.

هناك عدة سيناريوهات محتملة لإقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل:

السيناريو الأول: تقدم في عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية: إذا حدثت انفراجة دبلوماسية في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأبدت إسرائيل استعدادًا لحل الدولتين بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، قد تُصبح السعودية مستعدة للتفكير في التطبيع. في هذا السيناريو، ستسعى السعودية للحصول على ضمانات دولية وعربية لإقرار تسوية سياسية تشمل القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين.

السيناريو الثاني: حل مرحلي أو تجميد للأوضاع الراهنة: قد تسعى بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، إلى إقناع السعودية بالدخول في مرحلة من التطبيع التدريجي، مثل فتح قنوات تجارية أو اقتصادية، مقابل وعود أو التزامات إسرائيلية غير محددة بزمن. في هذا السيناريو، قد تسعى الرياض لتحقيق مكاسب دبلوماسية أخرى، مثل التخفيف من التوترات الإقليمية مع إيران أو تعزيز مكانتها الدولية.

السيناريو الثالث: ضغط إقليمي ودولي مستمر: مع ازدياد الضغوط من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، قد تجد السعودية نفسها في موقف يجبرها على التنازل عن بعض الشروط الصارمة التي وضعتها سابقًا مقابل مكاسب جيوسياسية مهمة، مثل تعزيز موقفها ضد النفوذ الإيراني أو الحصول على ضمانات أمنية من الدول الكبرى.

تصريح بن سلمان لا يعبر فقط عن موقف تجاه القضية الفلسطينية، بل يحمل أيضًا رسائل إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين. فعلى المستوى الإقليمي، تتبع السعودية سياسة خارجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين تعزيز مكانتها كقوة إقليمية كبرى والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية. وبالتالي، فإن التصريح يؤكد أن المملكة، رغم التحولات في المنطقة، لا تزال تعتبر القضية الفلسطينية جوهرية لشرعية موقفها الإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون التصريح بمثابة رسالة للولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، التي تعمل على إحياء المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، أن السعودية لن تكون مستعدة للتطبيع ما لم يحدث تغيير جوهري في سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. هذه الرسالة قد تهدف أيضًا إلى تعزيز موقع السعودية كمفاوض رئيسي في أي اتفاق سلام محتمل في المستقبل.

على الصعيد الداخلي، يعزز هذا التصريح صورة القيادة السعودية كمدافع عن القضايا العربية والإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالقدس. هذا الموقف يساعد في تعزيز شرعية القيادة داخل المملكة، حيث تعد القضية الفلسطينية قضية محورية في الوعي العام السعودي.

أما على الصعيد الإقليمي، فإن هذا التصريح يؤكد التزام السعودية بمبادرة السلام العربية التي أُطلقت في عام 2002، والتي تربط إقامة علاقات مع إسرائيل بانسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية. السعودية، من خلال هذا الموقف، تحافظ على مكانتها كقائدة للعالم العربي والإسلامي، وتعمل على التأكيد على أن أي تطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون مشروطًا بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.



Related Post