Spread the love

تشهد الكويت مرحلة سياسية استثنائية تتجلى في تعيين الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وليًا للعهد، إلى جانب حل البرلمان وتعطيل بعض مواد الدستور لمدة تصل إلى أربع سنوات، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا في موازين القوى داخل النظام السياسي الكويتي، ويطرح تساؤلات عن طبيعة المرحلة المقبلة، وأبعاد هذه التغييرات، وانعكاساتها على المسار الديمقراطي في البلاد.

جاء تعيين الشيخ صباح خالد الصباح وليًا للعهد في إطار ما يبدو أنه مسعى لتثبيت أركان الحكم في الكويت بعد قرارات الأمير مشعل الأحمد الصباح بحل البرلمان وتعطيل بعض مواد الدستور.

يتمتع الشيخ صباح بخبرة سياسية واسعة، فقد تولى رئاسة الوزراء بين 2019 و2022، وهي فترة شهدت صدامات متكررة بين الحكومة والبرلمان، وانقسامات حادة داخل المشهد السياسي الكويتي.

ينتمي الشيخ صباح إلى العائلة الحاكمة، لكنه يمثل خطًا تكنوقراطيًا، حيث يُعرف بأنه إداري بارز أكثر منه لاعبًا سياسياً تقليديًا. اختيار ولي عهد لديه خبرة في إدارة الأزمات السياسية قد يكون إشارة إلى أن القيادة الكويتية تريد استقرارًا أكبر في المشهد السياسي، بعيدًا عن الصدامات المتكررة مع البرلمان.

تعيين ولي العهد يأتي بعد نحو ثلاثة أسابيع من حل البرلمان وتعطيل بعض مواد الدستور، مما يعكس رغبة القيادة الكويتية في تثبيت ركائز الحكم قبل اتخاذ أي قرارات إصلاحية أخرى. أيضًا، هذا التعيين جاء بعد انتقادات للأمير مشعل بسبب قراره حل البرلمان، مما قد يكون محاولة لتهدئة المشهد السياسي وطمأنة الكويتيين بأن النظام يسير وفق ترتيبات دستورية، رغم التعليق المؤقت لبعض مواده.

يعتبر تعليق العمل ببعض مواد الدستور لمدة تصل إلى أربع سنوات خطوة غير مسبوقة في الكويت، التي تعد واحدة من أكثر الدول الخليجية انفتاحًا على الممارسة الديمقراطية. لم يتم تحديد المواد التي تم تعليقها بالكامل، لكن إلغاء دور مجلس الأمة (البرلمان) وتولي الأمير ومجلس الوزراء جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية يعد تغييرًا جوهريًا في توازن السلطة بالكويت.

الأمير مشعل برر قراره بحماية الاستقرار الوطني، مشيرًا إلى تدخلات البرلمان في تعيين الوزراء وولي العهد.
منذ سنوات، تعاني الكويت من أزمة سياسية مستمرة بين الحكومة والبرلمان، حيث لم يتمكن النظام من تمرير إصلاحات اقتصادية وإدارية بسبب الصراعات المتكررة بين السلطتين. من وجهة نظر الأمير، فإن هذا القرار ليس انقلابًا على الديمقراطية، بل خطوة ضرورية لكسر الجمود السياسي وإعادة ترتيب العلاقة بين السلطات.

هناك تخوفات من أن تتحول هذه الخطوة إلى نهج دائم، حيث لم يتم وضع جدول زمني واضح لاستعادة المسار الديمقراطي، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام القيادة الكويتية بالعودة إلى الوضع الدستوري الطبيعي بعد أربع سنوات. تجارب الدول الأخرى في تعليق الدستور غالبًا ما تؤدي إلى إطالة أمد السيطرة التنفيذية على السلطة وعدم العودة الكاملة إلى الديمقراطية.

الكويت تمتلك أحد أقوى البرلمانات في الخليج، وكان البرلمان الكويتي يتمتع بصلاحيات قوية في الرقابة على الحكومة، ما جعله ساحة لصراعات سياسية متكررة. حل البرلمان وتعليق الدستور يعطي الحكومة سلطة أكبر في اتخاذ القرارات دون رقابة برلمانية، مما قد يؤدي إلى تركيز السلطة في يد الأمير ومجلس الوزراء.

لطالما كانت الخلافات بين البرلمان والحكومة عائقًا أمام تمرير الإصلاحات الاقتصادية، وخاصة مشاريع تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وإصلاح نظام الدعم الحكومي.

الآن، مع عدم وجود معارضة برلمانية، قد يتم تسريع تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية، ولكن دون رقابة شعبية قد تؤدي إلى استياء اجتماعي، خاصة إذا مست هذه الإصلاحات الدعم الحكومي أو الوظائف العامة.

هناك مخاوف من أن يؤدي غياب البرلمان إلى فرض قيود أكبر على الحريات السياسية والإعلامية، حيث يمكن للحكومة الآن تمرير قوانين دون الحاجة إلى موافقة تشريعية.

ستظل الصحافة والمجتمع المدني تحت الاختبار في الفترة القادمة، لمعرفة مدى تأثير هذه التغييرات على حرية التعبير والعمل السياسي.

لطالما تميزت الكويت بمستوى عالٍ من الانخراط السياسي مقارنة بجيرانها الخليجيين، حيث كانت المعارضة البرلمانية نشطة وقادرة على تحدي الحكومة. ومن المتوقع أن يظل المجتمع الكويتي متيقظًا لمتابعة تطورات الوضع، وإذا استمرت الإجراءات الاستثنائية دون عودة للحياة البرلمانية، فقد نشهد احتجاجات أو تحركات سياسية للضغط باتجاه استعادة المسار الديمقراطي.

في ظل التحولات السياسية التي يشهدها الخليج، قد تثير تجربة الكويت اهتمام بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي تواجه تحديات داخلية مشابهة.

ومع ذلك، فإن النموذج الكويتي يظل فريدًا من نوعه بسبب وجود برلمان نشط، على عكس بعض الدول الخليجية الأخرى التي تعتمد على المجالس الاستشارية فقط.

ما يحدث في الكويت ليس مجرد تغيير في القيادة، بل هو تحول كبير في شكل الحكم، حيث تتجه البلاد نحو مرحلة من الحكم الأكثر مركزية، مع غياب واضح للرقابة التشريعية.

تبقى هناك عدة أسئلة مفتوحة حول المستقبل السياسي للكويت؛ فهل ستعود الحياة البرلمانية بعد أربع سنوات، أم أن هذا الوضع قد يطول أكثر؟ وكيف سيتعامل المواطنون والنخب السياسية مع التغييرات الجديدة؟ وهل يؤدي غياب البرلمان إلى تحسين الاستقرار السياسي، أم أنه مجرد تأجيل للأزمات؟

ما هو مؤكد أن الكويت تمر بإحدى أكثر المراحل حساسية في تاريخها الحديث، والقرارات التي سيتم اتخاذها خلال السنوات القليلة المقبلة ستحدد ما إذا كانت الكويت ستستعيد مسارها الديمقراطي، أم أنها ستدخل في مرحلة طويلة من الحكم التنفيذي المطلق.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!