Spread the love

تتصاعد التوترات بين روسيا والولايات المتحدة في ظل غياب أي مؤشرات على انفراجة دبلوماسية، حيث صرّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بأن موسكو مستعدة للتفاوض مع واشنطن “بأسلوب خشن”، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة هي التي يتوجب عليها اتخاذ الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات الثنائية.

أكد ريابكوف أن موسكو لا ترى جدوى في تقديم تنازلات دون مقابل، معتبرًا أن أي مفاوضات يجب أن تكون على أساس الاحترام المتبادل والمساواة. وأضاف: “نحن منفتحون على الحوار، ومستعدون للتفاوض بأسلوب مساومة خشن، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض ومصالحنا الوطنية المحددة مسبقًا بالتاريخ والجغرافيا.”

يرى المسؤول الروسي أن على الإدارة الأمريكية الجديدة، بقيادة دونالد ترامب، أن تبادر بإعادة النظر في سياساتها تجاه موسكو، لا سيما في ظل الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وأضاف ريابكوف أن بعض الدعوات داخل الأوساط السياسية الروسية للمسارعة إلى التفاوض مع إدارة ترامب “بأي ثمن” هي نهج خاطئ، مشيرًا إلى أن أي اتفاق يجب أن يتم تحقيقه وفقًا للمصالح الروسية، وليس نتيجة لضغوط دولية.

هل يسعى ترامب لإنهاء الأزمة الأوكرانية؟

تأتي هذه التصريحات في وقت أعلن فيه ترامب أنه يسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا، معربًا عن رغبته في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوصل إلى تسوية.

غير أن الكرملين نفى وجود أي تطورات في هذا الصدد، حيث صرح دميتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، بأنه “لا يوجد أي تقدم في تنظيم لقاء بين الرئيسين خلال الأيام الأخيرة”، ما يشير إلى أن احتمال عقد لقاء بين الزعيمين لا يزال غير مؤكد.

يعتبر أندريه كورتونوف، الباحث السياسي الروسي، أن تصريحات ترامب تعكس رغبة في تهدئة التوترات، لكنها لا تعني بالضرورة أن هناك خطة واضحة لحل النزاع الأوكراني أو إعادة العلاقات مع روسيا إلى طبيعتها. وأضاف كورتونوف:
“الولايات المتحدة تعاني من انقسامات داخلية كبيرة بشأن كيفية التعامل مع روسيا. قد يرغب ترامب في تحقيق تسوية، لكن المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية قد لا تكون مستعدة لهذا التغيير بسهولة.”

بينما يوضح المحلل المتخصص في الشؤون الروسية، علام حمزة، أن موسكو لديها مجموعة من الأولويات التي يجب أن تضمنها في أي مفاوضات مع واشنطن، أبرزها، إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بتزويد كييف بأنظمة صاروخية متطورة، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا منذ عام 2014، والتي أثرت على قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية، وضمان عدم توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل يهدد الأمن القومي الروسي، لا سيما في الدول المجاورة لروسيا مثل جورجيا ومولدوفا، والاعتراف بالحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك سيطرة روسيا على مناطق معينة في شرق أوكرانيا.

التوقعات المستقبلية: هل يمكن التوصل إلى تسوية؟

بينما تترقب موسكو موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، يرى خبراء أن تحقيق اختراق دبلوماسي يتطلب تنازلات متبادلة، وهو أمر قد يكون صعبًا في ظل البيئة السياسية الحالية في واشنطن.

يقول الخبير في الشؤون الأمريكية، راي حمادة، إن إدارة ترامب قد تكون أكثر براغماتية في التعامل مع روسيا مقارنة بإدارة بايدن، لكنه يشير إلى أن أي تقارب بين البلدين سيواجه معارضة قوية داخل الكونغرس الأمريكي.

وأضاف حمادة: “هناك انقسام واضح في واشنطن بين من يريدون احتواء روسيا بأي ثمن، ومن يرون أن الحوار قد يكون وسيلة فعالة لتقليل التوترات. لكن في كلتا الحالتين، لا يمكن لروسيا أن تتوقع اتفاقًا سريعًا دون تقديم شيء في المقابل.”

بينما تصر موسكو على أن واشنطن يجب أن تتخذ الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات، لا تزال هناك عوائق كبيرة تمنع حدوث تقدم ملموس، أبرزها الأزمة الأوكرانية والضغوط الداخلية في الولايات المتحدة.

في النهاية، تبقى الأسئلة مفتوحة، فهل يستطيع ترامب إقناع المؤسسة الأمنية الأمريكية بضرورة تغيير النهج تجاه روسيا؟ وهل ستقبل موسكو تقديم تنازلات، أم أنها ستواصل سياسة التصعيد والضغط على الغرب؟

يبقى المشهد معقدًا، حيث لا يبدو أن أيًّا من الطرفين مستعد لتقديم تنازلات كبيرة في الوقت الحالي، ما يجعل فرص تحقيق اختراق دبلوماسي حقيقي ضئيلة على المدى القريب.

error: Content is protected !!