الخميس. أكتوبر 17th, 2024

الثقافة الكورية التقليدية.. من مملكة جوسون إلى التأثير على كوريا الحديثة

'단칼에' (수원=연합뉴스) 홍기원 기자 = 포근한 날씨를 보인 20일 오전 경기도 수원시 화성행궁을 찾은 시민들이 무예24기 공연을 관람하고 있다. 2023.4.20 xanadu@yna.co.kr/2023-04-20 13:40:49/

تعتبر كوريا واحدة من الدول التي استطاعت الحفاظ على تراثها الثقافي والفكري رغم التغيرات السياسية والاجتماعية الهائلة التي مرت بها عبر العصور. ومن بين الممالك الكورية التي تركت بصمة عميقة على الثقافة الكورية، تأتي مملكة جوسون (1392-1897) في مقدمة الفترات التي شكلت أساسات الهوية الثقافية الكورية المعاصرة. امتدت مملكة جوسون لما يزيد عن خمسة قرون، وشهدت ازدهارًا ثقافيًا وفكريًا استمر حتى يومنا هذا. تعكس الحياة المعاصرة في كوريا الجنوبية الكثير من التأثيرات الموروثة من هذه الفترة، سواء في الفنون، الفلسفة، النظام الاجتماعي، أو حتى الممارسات اليومية.

كانت مملكة جوسون تعتبر مملكة كونفوشيوسية بامتياز، حيث كان الفكر الكونفوشيوسي هو المحرك الأساسي لنهج الحكم والتنظيم الاجتماعي. اعتمدت الحكومة في جوسون على فلسفة الكونفوشيوسية كإطار تنظيمي لكل من النظام السياسي والتعليمي، حيث كان احترام التسلسل الهرمي الاجتماعي واحترام الأجيال الأكبر والأعراف الأخلاقية ركائز أساسية.

التأثيرات الكونفوشيوسية لا تزال بارزة في المجتمع الكوري الحديث، خصوصاً في العلاقات الأسرية والمجتمع ككل. تُعد ثقافة الاحترام للأكبر سناً، والقيم العائلية من الصفات الراسخة في المجتمع الكوري الحديث، وهي انعكاس مباشر لتلك التقاليد التي كانت موجودة خلال فترة جوسون.

نظام الطبقات وتكوين المجتمع

كان المجتمع في مملكة جوسون قائماً على نظام طبقي صارم، حيث تم تقسيم الناس إلى طبقات اجتماعية محددة، وكانت هذه الطبقات مؤطرة بالقوانين والتقاليد التي تحكم كل فرد وموقعه في المجتمع. كان المجتمع الكوري خلال جوسون يتألف من النبلاء (يانغبان) الذين كانوا يشكلون الطبقة الحاكمة، المزارعين الذين كانوا يمثلون قاعدة الاقتصاد، والطبقات الأدنى مثل الحرفيين والتجار، وكذلك العبيد.

على الرغم من أن المجتمع الكوري اليوم قد تجاوز هذه الهياكل الاجتماعية الصارمة، إلا أن بعض التقاليد الطبقية لا تزال حاضرة في العلاقات الاجتماعية والمهنية. هذه الفجوة الاجتماعية التاريخية بين الطبقات يمكن أن يُنظر إليها اليوم في الفروقات بين بعض المهن والوظائف، وكذلك في التوقعات الاجتماعية المتعلقة بالدور المهني والاجتماعي.

ازدهرت الثقافة والفنون خلال فترة جوسون، حيث كانت الرسم الكوري التقليدي الذي عرف باسم مينهوا واحدًا من أشكال الفن البارزة التي عكست ثقافة الشعب وقيمه. غالبًا ما كانت رسومات مينهوا تعتمد على الطبيعة والعناصر الفلسفية الكونفوشيوسية والبوذية.

كما كانت الأدبيات الكورية خلال تلك الفترة محورية في تشكيل الهوية الثقافية للأمة. كان هناك إنتاج واسع للأدب الكلاسيكي، بما في ذلك الشعر والنثر المكتوب بالهانغول، الأبجدية الكورية التي تم ابتكارها خلال عهد الملك سيجونغ العظيم في القرن الخامس عشر. اليوم، ما زال استخدام الحروف الهانغول يمثل رمزًا للهوية الوطنية الكورية، ويعتبر من أهم إنجازات ثقافة جوسون التي نقلت المعرفة إلى عامة الناس وجعلت الأدب والعلم متاحًا لهم.

التأثير على العادات والتقاليد

حتى في الحياة اليومية للكوريين، لا تزال العادات والتقاليد التي نشأت خلال عهد جوسون متجذرة في الثقافة الشعبية. على سبيل المثال، الأعياد الكورية التقليدية مثل عيد تشوسوك وسولال تعود جذورها إلى تلك الحقبة. تشوسوك هو عيد الحصاد، حيث تقوم الأسر بتقديم الشكر للأجداد والأرواح على النعم التي أُنعمت بها طوال العام. كما يُمارس العبادة للأجداد وهي عادة تعود إلى الثقافة الكونفوشيوسية التي كانت تؤمن بأهمية تقدير الأجيال السابقة.

الزي التقليدي الكوري، المعروف باسم الهانبوك، هو أحد المظاهر الثقافية البارزة التي تُعد رمزًا لتاريخ كوريا وتراثها. خلال فترة جوسون، كان الهانبوك هو الزي الرسمي لجميع الطبقات الاجتماعية، إلا أن تصميمه وتفاصيله كانت تختلف باختلاف الطبقات. اليوم، يُعتبر الهانبوك جزءًا من الهوية الثقافية لكوريا، ويتم ارتداؤه في المناسبات الرسمية والاحتفالات الوطنية.

الهانبوك الحديث يواكب الاتجاهات العالمية، حيث يتم إدخال عناصر حديثة عليه ليصبح جزءًا من الموضة العالمية المعاصرة، مع الاحتفاظ بجوهره التقليدي. كما أن تصميمه الانسيابي البسيط يعكس جمال الفلسفة الكونفوشيوسية التي كانت تؤكد على التوازن والتناغم.

التأثير على كوريا الحديثة

رغم مرور قرون على نهاية مملكة جوسون، لا تزال القيم والمبادئ التي وُضعت خلال هذه الفترة تؤثر على العديد من جوانب الحياة في كوريا الجنوبية الحديثة. فقد أصبح التعليم على سبيل المثال أحد أهم الأعمدة في الثقافة الكورية، حيث يتجسد ذلك في الاستثمار الكبير في التعليم العالي، والذي يعتبر أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الكوري اليوم.

كذلك، في المجال السياسي، ما زال نظام الحكم المركزي الذي تم تطويره في جوسون يلقي بظلاله على النظام السياسي المعاصر. على الرغم من أن كوريا الجنوبية اليوم تتبع نظامًا ديمقراطيًا، إلا أن الأساليب الإدارية والتوجهات البيروقراطية تعود بجذورها إلى تلك الحقبة.

لا يمكن إنكار أن مملكة جوسون لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الثقافية لكوريا اليوم. فالكثير من العادات والتقاليد والقيم المجتمعية التي نشأت خلال تلك الفترة لا تزال تؤثر على الحياة اليومية للكوريين المعاصرين. وفي الوقت نفسه، استطاعت كوريا الحديثة أن تتبنى موروثاتها الثقافية وتطورها بما يتناسب مع العصر الحديث، مما جعلها جسرًا بين الماضي والحاضر.

تراث جوسون الثقافي والفكري لا يزال حيًا، حيث يمكن رؤيته بوضوح في كل من الفنون، الفلسفة، النظام الاجتماعي، وحتى في السياسة الحديثة لكوريا.

Related Post