Spread the love

كيف يصور الإعلام العربي النساء؟ هل يقدّمهن كصانعات للتغيير، أم يكرّس صورتهن كمجرد أدوات للجمال والإثارة؟ لماذا لا تزال المرأة في الدراما والإعلانات والصحافة تُختزل في أدوار محددة، بينما يتم تهميش إنجازاتها ودورها الفعلي في المجتمع؟ وهل يمكن القول إن الإعلام العربي يساهم في تعزيز الفكر الذكوري بدلاً من تحدّيه؟

رغم التطورات التي شهدها الإعلام العربي، لا تزال صورة المرأة تُقدَّم بطريقة نمطية، حيث يُنظر إليها إما كجسد جذاب يُستخدم لزيادة نسب المشاهدة، أو ككائن ضعيف يحتاج إلى الحماية. في الإعلانات، تُستخدم النساء كأدوات تسويقية، حيث يتم التركيز على مظهرهن الخارجي أكثر من أي شيء آخر. في الدراما، تُحصر المرأة غالبًا في أدوار الضحية، أو الزوجة التي تعاني، أو الفتاة المتمرّدة التي تدفع ثمن خروجها عن التقاليد. حتى في الصحافة، يتم التعامل مع قضايا النساء على أنها قضايا ثانوية، في حين يتم تجاهل النساء كصانعات للقرار أو كأصوات فاعلة في المجتمع.

تقرير صادر عن اليونسكو عام 2023 أشار إلى أن 70% من الشخصيات النسائية في الإعلام العربي تُقدَّم في أدوار نمطية، بينما لا تتجاوز نسبة النساء اللواتي يظهرن كخبيرات أو محللات في البرامج الحوارية 15%، مقابل 85% للرجال.

الصحفية المصرية ندى الرفاعي، المختصة بالإعلام والجندر، ترى أن الإعلام العربي لا يزال عالقًا في تصورات قديمة عن النساء، حيث يتم استخدامهن لجذب المشاهدين، لكن دون أن يتم منحهن مساحة حقيقية للتعبير عن آرائهن أو قيادة النقاشات. الإعلام الذكوري لا يزال يفرض قواعده، حيث يُسمح للمرأة بالظهور، لكن بشروط تتناسب مع الصورة التي يريدها المجتمع عنها.

الإعلام والمرأة السياسية: تهميش متعمد أم انعكاس للواقع؟

عندما يتعلق الأمر بالنساء في السياسة، يصبح الإعلام أكثر تحفظًا في تمثيلهن. في كثير من الدول العربية، نادرًا ما يتم تسليط الضوء على النساء السياسيات، وإن حدث ذلك، يكون الاهتمام الأكبر بمظهرهن أو حياتهن الشخصية بدلاً من إنجازاتهن.

في الانتخابات، يتم التعامل مع المرشحات كاستثناء، حيث يركز الإعلام على “مدى قدرتهن على تحقيق التوازن بين العمل والمنزل”، بينما لا يتم طرح هذا السؤال على المرشحين الذكور. في بعض الحالات، تُستخدم وسائل الإعلام كأداة للهجوم على النساء السياسيات، حيث تُطلق عليهن حملات تشويه تهدف إلى التقليل من قيمتهن السياسية وإضعاف فرصهن في الفوز.

في تونس، رغم التقدم الكبير في تمثيل النساء في السياسة، لا تزال بعض الإعلاميات يشتكين من التمييز في التغطية الصحفية، حيث يتم التركيز على مظهر النائبات بدلاً من مواقفهن السياسية. في مصر، شهدت بعض المرشحات هجومًا شرسًا من الإعلام المحافظ، الذي صوّر ترشح النساء على أنه “مخالف للتقاليد”. في لبنان، يتم استخدام الإعلام أحيانًا لترويج صور نمطية عن النساء في السياسة، حيث يُنظر إليهن على أنهن إمّا “مدعومات من رجال نافذين” أو “غير مؤهلات لاتخاذ قرارات جادة”.

تقول الباحثة السياسية الأردنية رهام السالم إن الإعلام العربي لا يزال يتعامل مع النساء في السياسة كظاهرة جديدة وغير مألوفة، مما يجعله يتجاهل تغطيتهن أو يقدّمهن بصورة سلبية. حتى عند تناول قضايا حقوق المرأة، يتم استضافة رجال لمناقشة هذه القضايا أكثر من النساء أنفسهن، مما يعكس مدى هيمنة الذكور على الخطاب الإعلامي.
الإعلام والمرأة في الرياضة: غياب أم تغييب؟

في مجال الرياضة، تواجه النساء تحديات مضاعفة، حيث يتم تهميشهن تمامًا في الإعلام الرياضي. البطولات النسائية نادرًا ما تحظى بتغطية، وعندما يتم تسليط الضوء على الرياضيات، يكون التركيز على مظهرهن أكثر من أدائهن الرياضي.

في بعض الدول، يتم التقليل من إنجازات النساء الرياضيات، حيث تُعتبر الرياضة “مجالًا رجاليًا”، ولا يتم منح الرياضيات المساحة نفسها التي يحصل عليها نظراؤهن الذكور. حتى عند الفوز بجوائز دولية، يتم تجاهل الإنجازات النسائية في نشرات الأخبار الرياضية، مما يعكس مدى هيمنة الفكر الذكوري في الإعلام الرياضي.

الرياضية المغربية سلمى الزهيري، التي فازت بعدة بطولات في ألعاب القوى، تؤكد أن الصحافة الرياضية لا تهتم بالمرأة إلا في الأحداث الكبيرة، بينما يتم تجاهل التدريبات والمباريات النسائية. في المقابل، يتم الاحتفاء بكل صغيرة وكبيرة في الرياضة الرجالية، حتى لو كانت مجرد مباراة ودية.
هل يمكن للإعلام أن يكون أداة للتحرر النسوي؟

رغم هذه الصورة القاتمة، إلا أن بعض المبادرات الإعلامية بدأت في تغيير هذا الواقع. في السنوات الأخيرة، ظهرت منصات رقمية نسوية تعمل على تقديم صورة مختلفة عن النساء، حيث تُسلط الضوء على قضاياهن من منظور أكثر شمولية. بعض القنوات بدأت في تقديم برامج تناقش حقوق المرأة بجدية، وتمنح النساء فرصة للظهور كخبيرات وصانعات قرار، وليس فقط كضيفات لتجميل المشهد الإعلامي.

في بعض الدول، بدأت الصحفيات في فرض أنفسهن في المجال الإعلامي، حيث أصبحن رئيسات تحرير وقائدات لمشاريع إعلامية مستقلة، تركز على قضايا الجندر والعدالة الاجتماعية. رغم ذلك، لا يزال الطريق طويلًا قبل أن يتحقق تمثيل عادل للمرأة في الإعلام، ليس فقط من حيث الظهور، بل من حيث التأثير الفعلي في تشكيل الخطاب العام.

الخبير الإعلامي اللبناني جورج معلوف يرى أن الإعلام يمكن أن يكون أداة قوية في تغيير النظرة المجتمعية للمرأة، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية واقتصادية حقيقية لدعم هذا التغيير. معظم القنوات لا تزال تخضع لسلطة الإعلانات والممولين، الذين يفضلون الحفاظ على الصورة التقليدية للمرأة كعنصر جمالي فقط. إذا لم يكن هناك ضغط حقيقي من المجتمع نفسه لإصلاح هذا الخلل، فإن الصورة النمطية ستظل مسيطرة على الإعلام العربي لعقود قادمة.
خاتمة: هل يمكن أن يتغير الإعلام العربي؟

بين الاستغلال والتهميش، يبدو أن صورة المرأة في الإعلام العربي لا تزال عالقة في أدوار قديمة، تعكس رؤية ذكورية ترفض الاعتراف بالنساء كفاعلات في المجتمع. رغم بعض التغيرات الإيجابية، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا نحو إعلام أكثر عدالة، يُقدّم النساء كشريكات في بناء الخطاب العام، وليس فقط كمجرد أدوات للتجميل والإعلان.

السؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل يمكن للإعلام العربي أن يتحول من أداة لترسيخ الفكر الذكوري إلى وسيلة لتمكين النساء، أم أن المصالح الاقتصادية والثقافية ستظل تُعيد إنتاج الصورة نفسها للمرأة، جيلاً بعد جيل؟

error: Content is protected !!