في معظم الدول العربية، لا تزال القوانين تكرّس تمييزًا قانونيًا واضحًا ضد النساء فيما يتعلق بمنح الجنسية لأبنائهن. ففي حين يستطيع الرجل العربي نقل جنسيته إلى أطفاله بغض النظر عن جنسية زوجته، فإن المرأة لا تمتلك الحق نفسه إذا تزوجت من أجنبي، مما يجعل أبناءها في بعض الحالات محرومين من الجنسية، ومجردين من حقوق المواطنة الأساسية مثل التعليم، الرعاية الصحية، والعمل.
لكن لماذا تستمر هذه القوانين رغم المطالبات الحقوقية المستمرة بتغييرها؟ وهل يعود السبب إلى دوافع سياسية وأمنية، أم أن الأمر مرتبط بتصورات مجتمعية قديمة عن دور المرأة؟ وما هي الحلول الممكنة لضمان تحقيق العدالة القانونية في هذا الملف؟
كيف يتم التمييز ضد النساء في قوانين الجنسية؟
تختلف قوانين الجنسية من دولة عربية إلى أخرى، لكنها تشترك في أنها تمنح الرجال حقًا مطلقًا في منح الجنسية لأبنائهم، بينما تضع قيودًا مشددة على النساء، حيث ينص معظمها على أن:
الرجل العربي يمكنه منح جنسيته لأبنائه حتى لو كانت زوجته أجنبية.
المرأة العربية لا تستطيع منح جنسيتها لأطفالها إذا تزوجت من رجل أجنبي، إلا في حالات استثنائية (وأحيانًا بعد إجراءات معقدة وطويلة).
في بعض الدول، لا يمكن للنساء منح جنسيتهن لأطفالهن حتى لو كانوا بلا جنسية (البدون)، مما يجعل الأطفال في وضع قانوني هش.
أمثلة على قوانين الجنسية في الدول العربية
الدول التي تمنع المرأة من منح الجنسية نهائيًا: لبنان، قطر، الكويت.
الدول التي تسمح بذلك بشروط معقدة: الأردن، البحرين، ليبيا.
الدول التي تسمح للمرأة بمنح الجنسية لأبنائها بدون قيود: تونس، الجزائر، المغرب، مصر، اليمن، السودان (مع تفاوت في بعض التفاصيل).
تشير الباحثة القانونية ناديا الحسين، المتخصصة في حقوق المرأة والجنسية، إلى أن “قوانين الجنسية في الدول العربية تعكس رؤية ذكورية ترى أن الانتماء الوطني يمر عبر الرجل فقط، وكأن المرأة مجرد تابع قانوني، وليس لها الحق في تأسيس أسرة متكاملة المواطنة مثل الرجل.”
ما هي الأسباب التي تمنع المرأة من منح جنسيتها لأبنائها؟
رغم الضغوط الحقوقية، لا تزال الحكومات العربية تتذرع بعدة أسباب لتبرير هذا التمييز، منها:
أسباب سياسية وأمنية
تدّعي بعض الدول أن منح المرأة جنسيتها لأطفالها قد يؤدي إلى تغيير التركيبة السكانية، خاصة إذا تزوجت من رجل من جنسية تُعتبر حساسة سياسيًا أو ديمغرافيًا.
في دول مثل لبنان والأردن، يُطرح ملف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين كعائق أساسي أمام منح المرأة جنسيتها لأطفالها، خوفًا من التوطين السياسي لهؤلاء الأطفال.
الموروث الثقافي الذكوري
في المجتمعات الأبوية، يُعتبر الانتماء العائلي مرتبطًا بالأب، مما يعزز فكرة أن “المرأة تذهب إلى عائلة زوجها”، وبالتالي لا يحق لها تمرير جنسيتها لأبنائها.
يُنظر إلى الأسرة على أنها كيان يقوده الرجل، ولذلك تمنح معظم القوانين الجنسية عبر الأب فقط.
ضعف الضغط السياسي والحقوقي الداخلي
رغم الجهود الحقوقية، فإن العديد من الدول العربية لم تشهد حراكًا داخليًا قويًا للمطالبة بتعديل قوانين الجنسية، مما جعل الحكومات غير مضطرة للتغيير.
في بعض الدول، يتم رفض هذه المطالب تحت ذريعة “عدم المساس بالهوية الوطنية”.
يقول الباحث المصري حسام العطار، المختص في القانون الدستوري، إن “القوانين التي تمنع المرأة من منح جنسيتها لأطفالها لا علاقة لها بالأمن القومي كما تدّعي الحكومات، بل هي امتداد لأنظمة قانونية قديمة تحافظ على السلطة الذكورية في الأسرة والمجتمع.”
كيف يؤثر هذا التمييز على حياة النساء وأطفالهن؟
حرمان المرأة من حق منح الجنسية لأطفالها يؤدي إلى تداعيات اجتماعية وإنسانية خطيرة، منها:
الأطفال بلا هوية قانونية
في الدول التي تمنع المرأة من نقل جنسيتها، قد ينتهي الحال بأطفالها بلا جنسية أو حقوق مدنية.
هذا يعني أنهم قد لا يتمكنون من الحصول على تعليم رسمي، أو رعاية صحية، أو عمل قانوني، مما يضعهم في وضع هش اجتماعيًا واقتصاديًا.
تفكيك الأسرة وعدم استقرارها
كثير من النساء العربيات المتزوجات من أجانب يواجهن تعقيدات قانونية وإدارية مستمرة عند محاولة تسجيل أطفالهن في المدارس أو استخراج وثائق رسمية لهم.
في بعض الحالات، يتم إجبار النساء على مغادرة أوطانهن مع أطفالهن والعيش في بلد الزوج، حتى لو كان ذلك يعني خسارة شبكات الدعم الاجتماعي والعائلي.
زيادة حالات الفقر والتهميش
الأطفال الذين لا يحصلون على الجنسية قد يُحرمون من فرص العمل والدراسة، مما يجعلهم أكثر عرضة للفقر والبطالة.
النساء اللواتي لا يستطعن منح الجنسية لأطفالهن قد يواجهن ضغوطًا اقتصادية، خاصة إذا تخلى الزوج عن الأسرة أو غادر البلاد.
ما الحلول الممكنة لضمان حق النساء في منح الجنسية لأطفالهن؟
إصلاح القوانين وتعديلها
يجب أن يتم تعديل قوانين الجنسية في الدول العربية بحيث تمنح المرأة جنسيتها لأطفالها تلقائيًا، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للرجل.
يمكن استثناء الحالات التي تمثل تهديدًا للأمن القومي، لكن يجب أن تكون المعايير واضحة وعادلة وغير قائمة على التمييز الجندري.
إطلاق حملات ضغط مجتمعي وقانوني
تحتاج هذه القضية إلى حراك حقوقي أقوى، وضغط على الحكومات من خلال منظمات المجتمع المدني والجهات الدولية.
يمكن استغلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لرفع الوعي بهذه القضية، وكسر الصورة النمطية حول “ملكية الرجل للعائلة”.
إنشاء آليات لحماية الأطفال المتضررين
حتى يتم تعديل القوانين، يجب على الحكومات توفير إقامات دائمة للأطفال المولودين لأمهات عربيات وآباء أجانب، لضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية.
يجب تسهيل منح الجنسية في الحالات الإنسانية، مثل الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو الذين يعيشون في أوطان أمهاتهم منذ ولادتهم.
رغم الجهود الحقوقية، لا تزال النساء في العالم العربي يواجهن تمييزًا قانونيًا واضحًا في حقهن في منح الجنسية لأطفالهن. وبينما تتذرع الحكومات بأسباب سياسية وأمنية للحفاظ على الوضع القائم، فإن الحقيقة هي أن هذه القوانين تمثل امتدادًا للتمييز الجندري الذي يُصرّ على وضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل، حتى فيما يتعلق بحقوقها العائلية الأساسية.
ويبقى السؤال: هل يمكن أن يشهد العالم العربي إصلاحًا جذريًا في قوانين الجنسية قريبًا، أم أن هذا التمييز سيظل قائمًا لعقود أخرى؟