الخميس. أكتوبر 17th, 2024

الحرب الأهلية اللبنانية.. كيف بدأت وما هي القوى الخفية التي أشعلتها؟

تُعتبر الحرب الأهلية اللبنانية واحدة من أكثر الصراعات تعقيدًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. استمرت الحرب من عام 1975 إلى 1990، وأسفرت عن دمار هائل وخسائر بشرية كبيرة. خلفت هذه الحرب ندوبًا عميقة في المجتمع اللبناني وأثرت بشكل دائم في التوازنات الإقليمية. في حين أن الشرارة الظاهرة لانفجار الحرب قد تكون قد بدأت بأحداث واضحة، إلا أن هناك قوى خفية وجوانب أعمق تغذي هذا الصراع.

للبنان تاريخ طويل ومعقد من التنوع الديني والطائفي، حيث يضم الطوائف الإسلامية السنية والشيعية، إضافة إلى الموارنة والدروز. قبل الحرب الأهلية، كان النظام السياسي اللبناني قائمًا على اتفاق الميثاق الوطني لعام 1943، الذي قسّم السلطة على أسس طائفية. هذا النظام قام على معادلة غير مستقرة بين المسيحيين والمسلمين، حيث حصل الموارنة على منصب الرئيس، بينما حصل المسلمون السنة على رئاسة الوزراء.

رغم أن هذا الاتفاق حافظ على التوازن الطائفي لفترة من الزمن، إلا أنه أصبح أكثر هشاشة مع تغير الديموغرافيا ومع تزايد الشكوك بين الطوائف. إضافة إلى ذلك، كان هناك شعور بالحرمان بين العديد من الطوائف، لا سيما المسلمين الشيعة في الجنوب والشمال، الذين كانوا يعانون من التهميش السياسي والاقتصادي.

الأسباب المباشرة لانفجار الحرب

الحرب الأهلية اللبنانية بدأت بشكل رسمي في 13 أبريل 1975، عندما هاجم مسلحون من منظمة التحرير الفلسطينية حافلة تحمل أعضاء من حزب الكتائب في منطقة عين الرمانة. الحادث أدى إلى مقتل العديد من المدنيين، مما أدى إلى تفاقم التوترات الموجودة بالفعل بين المجموعات المسيحية والمسلمة.

لكن الحقيقة هي أن هذا الحادث لم يكن سوى الشرارة التي فجرت الحرب. في الواقع، كان لبنان يغلي تحت السطح منذ سنوات بسبب عدد من العوامل السياسية والاجتماعية. أبرزها كان الصراع بين القوميين العرب، الذين دعموا وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وبين القوى المسيحية المارونية التي شعرت بالتهديد من تزايد النفوذ الفلسطيني في البلاد.

لعبت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، دورًا رئيسيًا في زعزعة استقرار لبنان قبل الحرب الأهلية. بعد معركة الكرامة في الأردن عام 1970، انتقل العديد من مقاتلي المنظمة إلى لبنان، حيث وجدوا بيئة خصبة للعمل بسبب الهشاشة السياسية وضعف الدولة المركزية. سرعان ما بدأت المنظمة بتأسيس قواعد عسكرية ومناطق نفوذ في جنوب لبنان، مما أثار قلق الموارنة والمسيحيين الذين رأوا في هذا التوسع تهديدًا لاستقرار البلاد.

مع تصاعد المواجهات المسلحة بين منظمة التحرير والقوى المارونية، بدأت الصدامات تأخذ طابعًا طائفيًا بين المسلمين، الذين كانوا يؤيدون الوجود الفلسطيني، والمسيحيين، الذين اعتبروا هذا الوجود تهديدًا لمصالحهم.

إلى جانب الصراع الداخلي، لعبت القوى الإقليمية والدولية دورًا رئيسيًا في إشعال الحرب الأهلية وتغذيتها. كان لبنان ساحة صراع بالوكالة بين دول مثل سوريا وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

  1. سوريا:

سعت سوريا، بقيادة حافظ الأسد، إلى تحقيق نفوذ كبير في لبنان منذ بداية الحرب. في البداية، دعمت دمشق بعض الفصائل الفلسطينية، لكنها سرعان ما تدخلت عسكريًا في عام 1976 تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار ومنع انهيار الدولة اللبنانية. كانت سوريا تسعى للسيطرة على السياسة اللبنانية وضمان أن تبقى لبنان تحت نفوذها، باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية.

  1. إسرائيل:

من ناحية أخرى، كانت إسرائيل تسعى للقضاء على وجود منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، الذي أصبح قاعدة لشن هجمات على المستوطنات الإسرائيلية. في عام 1982، قامت إسرائيل باجتياح واسع للبنان واحتلت العاصمة بيروت في محاولة لإخراج الفلسطينيين من لبنان. هذا التدخل أدى إلى تغيير كبير في مسار الحرب، حيث زاد من تدخل القوى الإقليمية والدولية.

  1. إيران:

إيران، من خلال دعمها لظهور حزب الله، كان لها دور كبير في تحوّل الحرب الأهلية. بعد الثورة الإيرانية عام 1979، دعم النظام الإيراني الفصائل الشيعية في لبنان، مما أدى إلى تشكيل حزب الله كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة في الصراع اللبناني. حزب الله لم يكن فقط رد فعل على الوجود الإسرائيلي في لبنان، بل كان أيضًا جزءًا من صراع أكبر بين إيران والقوى الغربية في المنطقة.

الصراعات الداخلية وتحالفات الحرب

على مدى 15 عامًا من الحرب، تغيّرت التحالفات باستمرار بين الفصائل المختلفة. من القوات اللبنانية وحزب الكتائب المسيحيين إلى الحركة الوطنية اللبنانية، التي ضمت تحالفًا من الأحزاب اليسارية والاشتراكية والإسلامية بقيادة كمال جنبلاط، كان كل طرف يحاول تحقيق مصالحه على حساب الآخر.

إحدى السمات المميزة للحرب الأهلية اللبنانية كانت التدخلات الأجنبية المستمرة التي غذت الصراع. كل فصيل كان يحصل على الدعم المالي والعسكري من دولة إقليمية أو دولية، مما جعل الحرب تتسع وتطول. حتى بعد الاجتياح الإسرائيلي، استمرت الحرب نتيجة للصراعات الداخلية والانقسامات الطائفية التي زادتها الأطراف الخارجية تعقيدًا.

في عام 1989، تم التوصل إلى اتفاق الطائف برعاية سعودية، والذي وضع حدًا رسميًا للحرب الأهلية. الاتفاق أعاد توزيع السلطة السياسية في لبنان، مع تعديلات على النظام الطائفي. منح الاتفاق المسلمين مزيدًا من السلطة في الحكم على حساب الموارنة، لكن النظام الطائفي لم يتغير جذريًا، مما حافظ على استمرار بعض الانقسامات.

رغم انتهاء الحرب رسميًا، إلا أن الجروح الاجتماعية والسياسية لم تلتئم تمامًا. استمر النظام الطائفي في توجيه السياسة اللبنانية، وظلت بعض المليشيات المسلحة تحتفظ بنفوذها.

الحرب الأهلية اللبنانية كانت نتيجة تراكمات سياسية واجتماعية ودينية امتدت لعقود. أظهرت هذه الحرب هشاشة النظام الطائفي في لبنان وتداخل العوامل الداخلية والخارجية في صنع الصراع. القوى الخفية التي أشعلت الحرب لا تزال تلعب دورًا في تحديد مسار لبنان حتى اليوم، مع وجود تدخلات إقليمية ودولية مستمرة.

الحرب انتهت، لكن تبعاتها لا تزال تلقي بظلالها على لبنان، مع استمرار الطائفية والانقسامات السياسية التي تجعل من الصعب تحقيق استقرار دائم.

Related Post