أعلنت وزارة الكهرباء العراقية إنجاز 90% من مشروع الربط الكهربائي الخليجي، وهو مشروع استراتيجي يسعى إلى تنويع مصادر الطاقة وتحقيق استقرار الشبكة الكهربائية في البلاد التي تعاني من نقص مزمن في الطاقة.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، فإن المشروع سيدخل المرحلة الأولى من الخدمة بطاقة تصل إلى 500 ميغاواط لتغذية محافظة البصرة بحلول مطلع العام المقبل.
يُعتبر مشروع الربط الكهربائي الخليجي واحدًا من أهم المشاريع الإقليمية في مجال الطاقة، حيث يعمل على، تحقيق استقرار الشبكة الكهربائية العراقية وتقليل الاعتماد على محطات الإنتاج المحلية المتهالكة. وكذلك تنويع مصادر الطاقة عبر التعاون مع الدول الخليجية، ما يقلل الضغط على الإنتاج المحلي. وكذلك إدخال العراق في سوق الطاقة الإقليمي، مما يفتح الباب أمام تبادل الكهرباء في أوقات الذروة والتخفيف من أزمة الانقطاعات المستمرة.
ويشير الخبراء إلى أن دخول العراق كعضو رئيسي في سوق الطاقة العربي والخليجي سيمكنه من الاستفادة من التوازن الكهربائي الإقليمي، خاصة في فترات الذروة الصيفية التي تعاني فيها البلاد من نقص شديد في الكهرباء.
يقول خالد الطائي، الخبير في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط لـ”شُبّاك”: “الربط الكهربائي مع دول الخليج يشكل خطوة مهمة نحو تقليل اعتماد العراق على الغاز الإيراني، كما أنه يوفر بديلاً أكثر استقرارًا وأمانًا للطاقة. لكن يبقى السؤال؛ هل تستطيع الحكومة إدارة هذا المشروع بكفاءة وسط التحديات السياسية والاقتصادية الحالية؟”
الربط العراقي الأردني: خطوة أولى نحو شبكة إقليمية؟
بالإضافة إلى الربط الخليجي، دخل الجزء الأول من مشروع الربط الكهربائي العراقي الأردني الخدمة بطاقة 54 ميغاواط، مما ساهم في إيصال الكهرباء إلى قضاء الرطبة بعد 11 عامًا من الاعتماد على المولدات الخاصة.
وتجري حاليًا استكمال المرحلة الثانية التي ستربط محطة القائم العراقية بمحطة الريشة الأردنية، في إطار خطة أوسع للربط الثلاثي بين العراق والأردن ومصر.
يقول أحمد زهير، المحلل الاقتصادي في قطاع الطاقة: “الربط الأردني والعراقي خطوة أولى لكنها محدودة حاليًا من حيث القدرة الإنتاجية. مع ذلك، يمكن أن يكون هذا المشروع مدخلاً لتوسيع التعاون الكهربائي ليشمل مصر، مما سيوفر للعراق تنوعًا أكبر في مصادر الطاقة على المدى الطويل.”
تعمل بغداد أيضاً على مشروع الربط الكهربائي مع تركيا، حيث تم تشغيل المرحلة الأولى بطاقة 300 ميغاواط في المنطقة الشمالية، ويجري العمل على استكمال المرحلة الثانية بطاقة إضافية 600 ميغاواط.
هذا المشروع يفتح الباب أمام العراق لتخفيف اعتماده على إيران، التي لطالما كانت المورد الرئيسي للطاقة الكهربائية والغاز المستخدم في محطات توليد الكهرباء.
يرى بعض الخبراء أن الربط الكهربائي مع تركيا قد يوفر بعض البدائل، لكنه لن يكون بديلاً كاملاً، إذ لا تزال البنية التحتية العراقية بحاجة إلى تطوير شامل لاستيعاب مصادر كهرباء جديدة بكفاءة.
الربط الكهربائي مع السعودية: متى يُستكمل؟
وقّع العراق العقد الاستشاري الفني لمشروع الربط مع السعودية، وتم تحديد نقاط الربط وآليات العمل، بطاقة أولية تصل إلى 1000 ميغاواط. ومن المتوقع أن يكتمل المشروع خلال 36 شهرًا.
ويرى محللون أن هذا المشروع قد يكون الأكثر استدامة من بين مشاريع الربط الكهربائي، نظراً لقدرة السعودية الكبيرة على إنتاج الطاقة المتجددة، وإمكانية استفادة العراق من هذه القدرات في المستقبل.
رغم التفاؤل الحكومي، لا تزال هناك عدة تحديات قد تعرقل تحقيق أهداف هذه المشاريع، من بينها، البنية التحتية المتهالكة، حيث لا تزال الشبكة الكهربائية العراقية بحاجة إلى إصلاحات واسعة النطاق لضمان استيعاب الطاقة المستوردة بكفاءة. أيضاً هناك الاضطرابات السياسية فـ عدم الاستقرار السياسي قد يؤثر على تنفيذ هذه المشاريع، خاصة في ظل النفوذ الإيراني في العراق، والذي قد يُعيق تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني. كذلك لا ننسى التحديات التقنية واللوجستية حيث تختلف أنظمة الكهرباء بين الدول، ما يجعل الربط الكهربائي يتطلب مواءمة فنية وتقنية معقدة. وهناك أيضاً التمويل والاستثمارات، بحيث تحتاج هذه المشاريع إلى تمويل مستمر وضمانات طويلة الأمد للحفاظ على استقرارها التشغيلي.
ماذا يعني ذلك لمستقبل الطاقة في العراق؟
يمثل التقدم في مشاريع الربط الكهربائي خطوة كبيرة نحو تقليل أزمة الطاقة في العراق، لكن النتائج الفعلية ستعتمد على مدى قدرة الحكومة على تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة وضمان استدامتها.
يقول حسام العلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد، “إذا نُفذت هذه المشاريع بشكل صحيح، يمكن أن يصبح العراق ممرًا رئيسيًا للطاقة بين الخليج وتركيا وأوروبا، ما يعزز مكانته كمركز إقليمي في سوق الكهرباء. لكن الأمر يتطلب رؤية طويلة الأمد وإرادة سياسية قوية لضمان نجاح هذه الخطة.”
تمثل مشاريع الربط الكهربائي العراقية فرصة كبيرة للخروج من الأزمة الكهربائية المزمنة، لكن نجاحها سيعتمد على قدرة الحكومة على تنفيذ المشاريع بفعالية، وتجاوز التحديات السياسية والاقتصادية.
ويبقى السؤال الأهم، هل ستكون هذه المشاريع حلاً جذريًا لمشكلة الكهرباء في العراق؟ أم أن التحديات السياسية والاقتصادية ستظل تعرقل تحقيق الاستقرار الكهربائي المنشود؟
في ظل التحركات الحالية، يبدو أن العراق يسير في الاتجاه الصحيح نحو تنويع مصادر الطاقة، لكن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة، مما يجعل نجاح هذه المشاريع مرهونًا بمدى التزام الحكومة بتنفيذها بشكل عملي ومستدام.