لطالما كانت الرياضة مجالًا يهيمن عليه الرجال في العالم العربي، حيث واجهت النساء عقبات قانونية، اجتماعية، وثقافية جعلت مشاركتهن في المنافسات الدولية أمرًا استثنائيًا. ورغم إحراز تقدم في العقود الأخيرة، لا تزال الرياضيات العربيات يعانين من نقص الدعم، وغياب البنية التحتية، والتهميش الإعلامي. فهل أصبحت المرأة العربية قادرة حقًا على المنافسة عالميًا، أم أن الإنجازات النسوية في الرياضة لا تزال فردية واستثنائية؟
شهدت العقود الأخيرة تحولات كبيرة في مشاركة النساء العربيات في الرياضة، مع تحقيق إنجازات لافتة في بعض الألعاب، مثل رفع الأثقال، ألعاب القوى، والمبارزة. فقد أصبحت هدى شعراوي من مصر أول امرأة عربية تشارك في الأولمبياد عام 1984، بينما سجلت حبيبة الغريبي من تونس اسمها في التاريخ بفوزها بالميدالية الذهبية في سباق 3000 متر موانع خلال أولمبياد لندن 2012، وهو إنجاز غير مسبوق للرياضة النسوية العربية.
تؤكد الباحثة الجزائرية سلمى بن زين، المتخصصة في السياسات الرياضية والجندر، أن “الرياضيات العربيات أثبتن أنهن قادرات على المنافسة عالميًا رغم كل القيود. ولكن لا يمكن مقارنة تقدمهن بتطور الرياضة النسوية في أوروبا وأمريكا، لأن البيئة العربية لا تزال غير جاهزة بالكامل لدعم النساء في المجال الرياضي.”
وتشير إلى أن “المشكلة ليست فقط في القيود الاجتماعية، بل أيضًا في غياب الاستثمار في الرياضة النسوية، حيث يتم تخصيص معظم الميزانيات لدعم الفرق الرجالية، بينما تبقى الفرق النسائية في الهامش.”
الرياضة النسوية والمجتمع: هل لا تزال النساء يواجهن التمييز؟
لا تزال المشاركة النسائية في الرياضة تصطدم بعقبات ثقافية قوية في بعض الدول العربية، حيث يتم النظر إلى الرياضة على أنها مجال “غير لائق” للمرأة. ففي بعض البلدان، مثل السعودية قبل الإصلاحات الأخيرة، لم تكن النساء قادرات على ممارسة الرياضة بحرية، ولم يُسمح لهن بالمشاركة في الألعاب الأولمبية حتى عام 2012.
يقول الباحث المصري حسن البكري، المتخصص في علم الاجتماع الرياضي، إن “الرياضة في العالم العربي لا تزال تعكس البنية الأبوية للمجتمع. في بعض الدول، تواجه الرياضيات ضغوطًا لارتداء ملابس معينة، أو يتم فرض قيود على سفرهن للمشاركة في البطولات الدولية، كما حدث مع بعض الرياضيات الجزائريات والمغربيات اللواتي لم يتمكنّ من تمثيل بلادهن بسبب عدم موافقة عائلاتهن أو اتحاداتهن الرياضية.”
ويضيف أن “الإعلام العربي يساهم أيضًا في تهميش الرياضة النسوية، حيث نادرًا ما يتم تسليط الضوء على إنجازات الرياضيات مقارنة بتغطية الرياضة الرجالية، مما يحد من اهتمام الفتيات بممارسة الرياضة كمجال مهني.”
التمويل والدعم: هل تتلقى الرياضيات العربيات نفس الفرص؟
إحدى المشكلات الكبرى التي تواجه الرياضة النسوية في العالم العربي هي ضعف التمويل، حيث تحصل الفرق الرجالية على دعم أكبر بكثير من الفرق النسائية. في بعض الدول، مثل مصر وتونس والمغرب، بدأت الحكومات في توفير منح لدعم الرياضيات، لكن هذه الجهود لا تزال غير كافية لتحقيق منافسة حقيقية على المستوى العالمي.
توضح سلمى بن زين أن “غياب الرعاية المالية يعني أن العديد من الرياضيات يضطررن إلى تمويل تدريباتهن بأنفسهن، أو يواجهن نقصًا في المعدات والمنشآت الرياضية المناسبة. في المقابل، يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لدعم الرياضة الرجالية، وهو ما يكرّس الفجوة الجندرية في هذا المجال.”
وتشير إلى أن “بعض الرياضيات العربيات اللواتي حققن إنجازات عالمية اضطررن للانتقال إلى دول أخرى للحصول على الدعم والتدريب اللازم، كما فعلت بعض الرياضيات المغربيات اللواتي انضممن إلى منتخبات أوروبية بسبب قلة الدعم في بلدانهن الأصلية.”
في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الدول العربية تتخذ خطوات لدعم الرياضة النسوية، حيث تم إنشاء فرق نسائية في كرة القدم، ورفع الحظر عن مشاركة النساء في بعض الرياضات. ففي السعودية، تم السماح للنساء بالمشاركة في البطولات الدولية، وأُنشئت أول دوري نسائي لكرة القدم عام 2020. كما شهدت الإمارات وقطر اهتمامًا متزايدًا بالرياضة النسوية، مع توفير منح دراسية للرياضيات الشابات.
لكن الباحث حسن البكري يحذر من أن “هذه الإصلاحات لا تزال شكلية في بعض الأحيان، حيث يتم الترويج لها كجزء من الإصلاحات العامة، ولكن دون توفير الدعم الحقيقي للرياضيات على المستوى الشعبي والاحترافي.”
ما المطلوب لتعزيز حضور النساء في الرياضة؟
لتحقيق مشاركة حقيقية للنساء في الرياضة العربية، يجب اتخاذ إجراءات حقيقية تشمل:
زيادة الميزانيات المخصصة للرياضة النسوية، بحيث تحصل الفرق النسائية على نفس مستوى الدعم الذي تحصل عليه الفرق الرجالية.
تغيير الصورة النمطية عن الرياضيات من خلال تسليط الضوء على إنجازاتهن في الإعلام العربي.
دعم مشاركة النساء في الرياضات الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة، بدلًا من اقتصار نجاحاتهن على الرياضات الفردية مثل ألعاب القوى والتنس.
توفير برامج تدريبية للرياضيات الشابات لضمان استمرارية تطور الرياضة النسوية في العالم العربي.
رغم العقبات، أثبتت الرياضيات العربيات أنهن قادرات على المنافسة عالميًا، لكن الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق مساواة حقيقية في الفرص والتمويل والدعم المجتمعي. إن تعزيز الرياضة النسوية لا يقتصر فقط على تمكين المرأة، بل هو جزء من بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وتطورًا.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن الرياضيات العربيات يومًا من تحقيق حضور قوي في البطولات العالمية كما يفعل نظراؤهن الرجال، أم أن الرياضة ستظل ساحة أخرى تعكس الفجوة الجندرية في العالم العربي؟