Spread the love

تأتي استضافة السعودية لأول اجتماع رفيع المستوى لـ”التحالف العالمي لحل الدولتين” في الرياض، كخطوة تعكس توجهاً دبلوماسياً متسارعاً من قبل المملكة لتعزيز موقعها كفاعل رئيسي في الملف الفلسطيني، لا سيما في ظل تصاعد العنف الإسرائيلي في غزة ولبنان، وما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية ودولية. هذا الاجتماع، الذي ينعقد في وقت حساس، ليس مجرد تحرك دبلوماسي نمطي، بل يحمل في طياته رسائل متعددة الأطراف، تتعلق بمكانة السعودية كلاعب أساسي في صياغة التوازنات الإقليمية، وبإعادة التموضع الجيوسياسي لمبادرات السلام في الشرق الأوسط.

إن انعقاد المنتدى في هذا التوقيت يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الرياض على الدفع باتجاه تحرك دولي أكثر فاعلية تجاه القضية الفلسطينية، في وقت يبدو فيه المجتمع الدولي عاجزاً عن اتخاذ خطوات ملموسة لوقف العنف الإسرائيلي. فالبيان الصادر عن نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، لم يأتِ فقط ليؤكد أهمية الجهود المبذولة لتعزيز الأمن الإقليمي، بل ليضع أيضاً المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي بين دعم القانون الدولي، أو ترك المنطقة تنزلق نحو مزيد من التصعيد الذي سيؤدي إلى تقويض مصداقية الجهود الدولية في حفظ السلام.

وعلى الرغم من أن التحركات السعودية في القضية الفلسطينية لم تكن غائبة، فإن استضافة هذا الاجتماع يشير إلى رغبة واضحة في إعادة صياغة الدور السعودي في هذا الملف، وذلك في ظل ظروف إقليمية متحولة، حيث باتت الأطراف الفاعلة تعيد ترتيب أولوياتها. فلا يمكن فصل هذه المبادرة عن المساعي الأوسع التي تقودها المملكة لترسيخ موقعها كقوة مركزية في المعادلة الإقليمية، سواء عبر مبادراتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو من خلال دورها في تفعيل المبادرات العربية، مثل القمم التي جمعت دول المنطقة لمناقشة مستقبل التسوية السياسية.

في المقابل، فإن هذا الاجتماع يطرح تساؤلات حول مدى فاعلية الأدوات المتاحة لتحقيق تقدم حقيقي في حل الدولتين، خاصة في ظل تصلب الموقف الإسرائيلي واستمرار حكومة نتنياهو في انتهاج سياسات توسعية تعمّق الفجوة بين التصور النظري للحل والواقع القائم على الأرض. فالرياض، رغم قدرتها على حشد الدعم الدولي والإقليمي، ستواجه تحدياً كبيراً يتمثل في إقناع القوى الكبرى، خاصة واشنطن، بأن أي حل مستقبلي لا يمكن أن ينجح دون التزام إسرائيلي واضح بمبادئ الشرعية الدولية، وهو ما يتطلب آليات ضغط حقيقية تتجاوز مجرد البيانات الدبلوماسية.

على الصعيد العربي، قد يشكل هذا الاجتماع فرصة لإعادة إحياء موقف عربي موحد حول القضية الفلسطينية، بعد سنوات من التباين في السياسات بين العواصم المختلفة. فدول مثل مصر والأردن، اللتين ترتبطان باتفاقيات سلام مع إسرائيل، يمكن أن تلعبا دوراً محورياً في دعم أي جهد تقوده السعودية لجعل حل الدولتين خياراً قابلاً للتطبيق، لا مجرد شعار دبلوماسي يفتقد إلى آليات التنفيذ. كما أن مشاركة دول الاتحاد الأوروبي في هذا التحالف قد تفتح الباب أمام استخدام أدوات ضغط اقتصادية وسياسية ضد إسرائيل، إذا ما قررت الأخيرة الاستمرار في سياساتها العدائية تجاه الفلسطينيين.

لكن في ظل كل هذه المعطيات، لا يمكن إغفال السؤال الأهم: هل تمتلك السعودية وحلفاؤها في التحالف العالمي لحل الدولتين القدرة على تحويل هذا الاجتماع إلى خطوة عملية ملموسة، أم أن الأمر سيظل محصوراً في نطاق المناورات الدبلوماسية التي غالباً ما تصطدم بواقع معقد تفرضه توازنات القوى؟

الإجابة على هذا السؤال ستتحدد بناءً على ما ستسفر عنه مخرجات هذا الاجتماع، ومدى تجاوب الأطراف الدولية معه. فإذا استطاعت الرياض أن تترجم هذا الاجتماع إلى خطة دبلوماسية متكاملة، تتضمن تحركات ضاغطة على إسرائيل، ومسارات تفاوضية واضحة تستند إلى المرجعيات الدولية، فقد يكون هذا الاجتماع نقطة تحول حقيقية في مسار التسوية. أما إذا ظل الأمر مجرد خطوة رمزية، فإن حل الدولتين سيبقى رهينة التعقيدات الإقليمية والدولية، دون أن يشهد أي تقدم يذكر.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!