Spread the love

في ظل التصعيد المستمر في الشرق الأوسط، أطلق الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد دعوة إلى ميثاق سلام عالمي يضمن الحقوق التاريخية للشعوب وحق تقرير المصير، مؤكداً استعداد العراق للعب دور فاعل في إحلال السلام في المنطقة، لا سيما في فلسطين ولبنان، حيث تتصاعد الأوضاع بشكل غير مسبوق. هذه الدعوة جاءت خلال مؤتمر “السلام والأمن في الشرق الأوسط” الذي انعقد في الجامعة الأمريكية بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق.

طرح رشيد رؤية مفادها أن الأمن والاستقرار في العراق مرتبط بشكل وثيق بأمن واستقرار الشرق الأوسط، مشددًا على أن استمرار الفوضى والحروب في دول مثل فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وليبيا والسودان يهدد ليس فقط المنطقة، بل الأمن والاستقرار العالميين. كما حذر من تداعيات الحرب المستمرة، خاصة على حركة التجارة العالمية وتهديدها لاستقلال الدول.

الدكتور كمال الخزرجي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بغداد، يرى أن “العراق لديه مقومات للعب دور دبلوماسي مهم في المنطقة، لكنه لا يزال يعاني من تحديات داخلية تجعله غير قادر على التحرك بفعالية”. وأضاف أن “الدعوة إلى ميثاق عالمي للسلام، رغم أنها تحمل طابعًا مثاليًا، إلا أنها تصطدم بواقع سياسي معقد، حيث لا توجد إرادة دولية حقيقية لإنهاء الحروب الممتدة في الشرق الأوسط”.

التحديات الإقليمية وتأثيرها على العراق

يرى رشيد أن العراق يواجه مشكلات كبيرة في الاقتصاد، والخدمات، والعدالة الاجتماعية، والأمن، والعلاقات الدولية، لكنه أكد أن خطوات إيجابية اتُخذت لمعالجة هذه القضايا. ويعكس هذا الواقع حاجة العراق إلى تعزيز الاستقرار الداخلي قبل أن يتمكن من لعب دور رئيسي في تحقيق السلام الإقليمي.

التحدي الأكبر يكمن في أن العراق نفسه لا يزال يعاني من تداعيات الصراعات الإقليمية، حيث بات ساحة لتصفية الحسابات بين إيران والولايات المتحدة، كما أن وجود الفصائل المسلحة المدعومة إقليمياً يجعله في موقف حساس عند الحديث عن دور دبلوماسي في الشرق الأوسط.

حسن العطار، الباحث في الشؤون الأمنية في مركز الدراسات الشرق أوسطية، يقول إن “العراق، رغم إعلانه الحياد في الصراعات الإقليمية، لا يزال يعاني من انقسامات داخلية وتدخلات خارجية تجعله غير قادر على فرض استراتيجيته في المنطقة”. وأضاف أن “رؤية العراق للسلام تحتاج إلى دعم دولي وإقليمي، لكن الأطراف الفاعلة حاليًا لديها أولويات أخرى، مما يجعل هذه الدعوة تواجه عقبات كبيرة”.

على الجانب الآخر، قدم رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني رؤية أكثر تشاؤمًا للوضع في الشرق الأوسط، محذرًا مما أسماه “النكبة الثانية”، في إشارة إلى ما قد ينتج عن التطورات الأخيرة من تغييرات جذرية في الخرائط السياسية والجيوسياسية للمنطقة.

المشهداني اعتبر أن الأحداث التي شهدتها المنطقة بعد السابع من أكتوبر 2023، وخاصة بعد عملية “طوفان الأقصى”، غيّرت المعادلات القديمة وأعادت إحياء صراعات كانت خامدة. كما أشار إلى أن خرائط السلام الهشة التي رسمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تكن سوى اتفاقات شكلية سرعان ما انهارت مع أول اختبار جدي.

في تحليله للوضع الدولي، يرى المشهداني أن النظام العالمي الحالي مأزوم وغير قادر على حل النزاعات، حيث لا هو نظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة، ولا هو نظام متعدد الأقطاب قادر على خلق توازنات حقيقية. كما انتقد هيمنة إسرائيل كلاعب دولي رغم رفضها مجتمعيًا بسبب تاريخها الطويل في الحروب ضد الفلسطينيين.

الدكتور أحمد الدليمي، الباحث في الشؤون السياسية بجامعة الموصل، يرى أن “ما يطرحه المشهداني يعكس إحباطًا متزايدًا داخل العراق والمنطقة من النظام الدولي الحالي، الذي فشل في حل الأزمات الكبرى، بل ساهم في تفاقمها”. وأضاف أن “الأحداث الأخيرة أثبتت أن الشرق الأوسط لن يستقر طالما أن الصراعات فيه تدار من الخارج، وليس بناءً على مصالح شعوبه”.

إلى جانب التحليل السياسي، أشار المشهداني إلى أن الشرق الأوسط لا يعاني فقط من الحروب العسكرية، بل أيضًا من أزمات اقتصادية، وغياب التنوع السياسي، وضعف تمكين الشباب، وأزمات بيئية خطيرة مثل التصحر وارتفاع درجات الحرارة.

أزمة سد النهضة، على سبيل المثال، تمثل أحد أكبر التحديات القادمة في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدي إلى صراع مائي بين مصر والسودان وإثيوبيا، وهو ما قد يفتح جبهة جديدة من التوترات الإقليمية.

إضافة إلى ذلك، فإن البطالة، وتذبذب أسعار النفط، وضعف التكامل الاقتصادي كلها عوامل تزيد من هشاشة الأوضاع، ما يجعل المنطقة أكثر عرضة للانفجارات السياسية والاجتماعية.

الدكتورة ليلى شهاب، أستاذة الاقتصاد السياسي، ترى أن “المشكلة الكبرى في الشرق الأوسط ليست فقط الصراعات العسكرية، بل أيضًا غياب التنمية الاقتصادية الحقيقية، حيث لم تتمكن الدول العربية من خلق اقتصاد قوي قادر على الصمود أمام التحديات العالمية”.

هل يستطيع العراق لعب دور الوسيط؟

مع تصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، يحاول العراق تقديم نفسه كوسيط دبلوماسي قادر على التقريب بين الأطراف المختلفة، مستفيدًا من علاقاته المتوازنة مع إيران، والدول العربية، والولايات المتحدة. لكن هذه المحاولة تصطدم بعدة عقبات، أبرزها الانقسامات الداخلية في العراق، وعدم وجود موقف موحد من السياسة الخارجية.

إذا أراد العراق أن يلعب دورًا دبلوماسيًا فاعلًا، فإنه بحاجة إلى تحقيق استقرار داخلي أولًا، وتعزيز قدراته الاقتصادية والعسكرية، ليكون مؤهلًا ليكون جزءًا من المعادلة الإقليمية.

الواقع الحالي في الشرق الأوسط يشير إلى أن الصراعات أصبحت جزءًا من بنية النظام الإقليمي، حيث يتم التعامل مع السلام على أنه حالة استثنائية وليس القاعدة. ورغم الجهود الدبلوماسية، لا تزال القوى الفاعلة، سواء الإقليمية أو الدولية، تتعامل مع المنطقة وفق منطق إدارة الأزمات بدلاً من حلها.

رؤية العراق لميثاق عالمي للسلام تعكس رغبة حقيقية في تغيير هذا الواقع، لكنها تصطدم بعوائق معقدة، أبرزها غياب الإرادة الدولية، واستمرار التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، وتصاعد الحركات الراديكالية.

بينما يرى البعض أن الدعوات إلى السلام مجرد محاولات دبلوماسية لن تغير من الواقع شيئًا، يظل السؤال الأهم: هل يمكن أن تشهد المنطقة تحولًا جذريًا نحو الاستقرار، أم أن “النكبة الثانية” التي تحدث عنها المشهداني أصبحت أمرًا لا مفر منه؟

error: Content is protected !!