Spread the love

سجلت المغرب رقمًا قياسيًا جديدًا في قطاع السياحة مع تحقيق عائدات تجاوزت 11 مليار دولار في 2024، للمرة الأولى في تاريخ المملكة. ووفق ما أعلنته وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور، فقد ارتفع عدد السياح الوافدين إلى 17.4 مليون زائر، بزيادة 20% عن 2023، ما يعزز مكانة المغرب كـ الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا.

هذه الطفرة السياحية تأتي في وقت تستعد فيه المملكة لاستضافة أحداث رياضية كبرى مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، مما قد يمنح القطاع دفعة إضافية في السنوات القادمة.

لكن يبقى التساؤل، هل يستطيع المغرب استثمار هذا الزخم لضمان استدامة النمو السياحي، أم أن هذه القفزة مرتبطة فقط بالظروف الاستثنائية للعام الحالي.

طفرة في أعداد السياح: ماذا وراء النمو القوي؟

شهد المغرب خلال 2024 زيادة تاريخية في عدد الزوار ليصل إلى 17.4 مليون سائح، وهو ما يقترب من الهدف الذي وضعته الحكومة المغربية لعام 2026، حيث كانت تأمل في استقطاب 17.5 مليون سائح بحلول ذلك العام.

يقول سمير الطويل، الخبير في اقتصاد السياحة بالمغرب، “المملكة استفادت من عوامل متعددة هذا العام، أبرزها حملات الترويج القوية، وتحسن الربط الجوي مع الأسواق الأوروبية والخليجية، إضافة إلى الأحداث الثقافية والرياضية الكبرى. لكن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذا الزخم واستثماره لتطوير القطاع على المدى الطويل.”

بحسب الوزيرة فاطمة الزهراء عمور، فإن المغرب أصبح الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024، متفوقًا على جنوب إفريقيا ومصر، اللتين كانتا تتنافسان على الصدارة في السنوات الأخيرة.

يرى عبد الرزاق الهبطي، رئيس جمعية المستثمرين في السياحة بالمغرب أن هذه الصدارة لم تأتِ من فراغ، حيث يوضح لـ”شبّاك” أن: “المغرب استثمر بشكل كبير في البنية التحتية السياحية، وتحسين جودة الخدمات الفندقية، بالإضافة إلى الاهتمام بالسياحة البيئية والثقافية. التحدي القادم هو ضمان الاستدامة، حيث لا يمكن الاعتماد فقط على السياحة التقليدية، بل يجب تنويع المنتجات السياحية.”

مع 827 ألف فرصة عمل، يمثل قطاع السياحة أحد أعمدة الاقتصاد المغربي، حيث وفر 25 ألف وظيفة جديدة خلال 2024 وحدها، وهو ما يعكس النمو المتزايد في الاستثمارات السياحية.

يؤكد كمال بنسالم، الخبير في سياسات التشغيل بالمغرب: “السياحة ليست فقط مصدرًا للنقد الأجنبي، بل هي قطاع استراتيجي في خلق الوظائف، خاصة في المناطق السياحية مثل مراكش، أكادير، وفاس. إذا استمرت الاستثمارات في القطاع، فمن الممكن أن نرى زيادة أكبر في فرص العمل، خاصة مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030.”

التحديات التي تواجه السياحة المغربية

رغم الأرقام القياسية، يواجه القطاع بعض التحديات التي قد تؤثر على استدامة هذا النجاح، ومن أبرزها، البنية التحتية السياحية خارج المدن الكبرى فرغم التطور الكبير في المدن السياحية مثل مراكش وأغادير، لا تزال بعض المناطق الأخرى تعاني من نقص في الفنادق والخدمات. كذلك هناك التحديات البيئية والاستدامة؛ فمع تزايد أعداد السياح، يواجه المغرب تحدي الحفاظ على المواقع الطبيعية والثقافية، خاصة مع ارتفاع استهلاك المياه والطاقة في المنشآت السياحية. كذلك لا نغفل القدرة التنافسية أمام الوجهات الأخرى، فمع دخول دول أخرى في المنطقة مثل السعودية والإمارات بقوة إلى سوق السياحة، سيكون على المغرب تحسين تنافسيته عبر التطوير المستمر للمنتجات السياحية.

يقول نادر زروالي، الخبير في التخطيط الاستراتيجي للسياحة: “إذا أراد المغرب الحفاظ على تفوقه، فعليه تطوير سياحة مستدامة، وتحفيز الاستثمارات في السياحة البيئية والثقافية، وتعزيز الربط الجوي ليشمل أسواقًا جديدة مثل آسيا وأمريكا اللاتينية.”

مع استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، يمكن للمغرب أن يستفيد من هذا الزخم عبر توسيع الطاقة الاستيعابية للقطاع الفندقي لتلبية الطلب المتوقع من الجماهير الرياضية، وتحسين البنية التحتية للنقل، مثل المطارات والقطارات السريعة، وتقديم حوافز للاستثمار في السياحة الترفيهية والرياضية، وتطوير استراتيجيات لجذب سياح جدد من أسواق غير تقليدية مثل الصين والهند والخليج.

يختتم هشام الراوي، المستشار في التخطيط السياحي حديثه قائلًا: “السنوات المقبلة قد تكون مفصلية في تحديد مكانة المغرب السياحية عالميًا. إذا تم استغلال الفرص القادمة بشكل صحيح، فقد نرى المملكة تتحول إلى واحدة من أقوى خمس وجهات سياحية في العالم بحلول 2030.”

ما حققه المغرب في 2024 ليس مجرد رقم قياسي، بل هو مؤشر على تحول استراتيجي في قطاع السياحة. ومع الاستعداد لأحداث رياضية كبرى، يمكن أن يكون هذا العام مجرد بداية لنهضة سياحية حقيقية.

لكن يبقى السؤال الأهم، هل سيتمكن المغرب من الحفاظ على هذه الوتيرة وتحويل الإنجاز إلى نمو مستدام، أم أن النجاح الحالي قد يكون مجرد طفرة مؤقتة؟

الإجابات ستتضح في السنوات القليلة المقبلة، مع اختبار قدرة المغرب على تطوير قطاعه السياحي، وتعزيز بنيته التحتية، والتكيف مع التغيرات العالمية.

error: Content is protected !!