Spread the love

مع دخول 2025، تبدو أوروبا أمام مرحلة حاسمة في سوق السيارات الكهربائية، حيث تواجه شركات التصنيع معايير صارمة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يفرض عليها زيادة نسبة السيارات الكهربائية إلى 20% من مبيعاتها تحت طائلة غرامات باهظة. وعلى الرغم من أن المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية ارتفعت بنسبة 25% في 2024، فإن هذا النمو كان مدفوعًا بالسوق الصينية، فيما سجلت المبيعات الأوروبية أول تراجع لها بنسبة 3%.

وفي ظل هذه التحولات، كيف يمكن للمنطقة العربية الاستفادة من التجربة الأوروبية؟ وهل ستلعب السيارات الكهربائية دورًا حقيقيًا في تغيير مستقبل النقل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

التحديات الأوروبية: الأسعار والبنية التحتية تعيق الانتشار

رغم التوجه الأوروبي المتسارع نحو السيارات الكهربائية، لا يزال المستهلكون مترددين، خاصة في البلدان غير الاسكندنافية، بسبب، ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية مقارنة بالهجينة أو العاملة بالبنزين. ونقص محطات الشحن السريع، ما يثير مخاوف السائقين من نفاد الطاقة أثناء التنقل. وإلغاء بعض الحكومات الأوروبية لحوافز الشراء، ما أثر سلبًا على قرارات المستهلكين، كما حدث في ألمانيا حيث انخفضت المبيعات بسبب إلغاء الدعم الحكومي.

يقول خالد المصري، خبير النقل المستدام في بيروت: “ما نشهده في أوروبا اليوم هو مواجهة بين السياسات البيئية والواقع الاقتصادي. السيارات الكهربائية بلا شك مستقبل النقل، لكن المشكلة ليست فقط في الإنتاج، بل في القدرة على إقناع المستهلكين باعتمادها كبديل عملي وموثوق.”

للتغلب على هذه التحديات، بدأت الشركات الأوروبية في التركيز على الموديلات الصغيرة والمتوسطة السعر، مثل رينو 5، سيتروين C3، هيونداي إنستر، فورد بوما، وتويوتا أوربان كروزر، التي يتراوح سعرها بين 20 و30 ألف يورو، مع مدى بطارية بين 300 و400 كيلومتر.

يؤكد حسام عبد الوهاب، محلل أسواق السيارات في دبي أن هذه الخطوة قد تحمل دروسًا مهمة للمنطقة العربية، حيث يقول: “الأسواق العربية بحاجة إلى التفكير في نموذج مماثل؛ سيارات كهربائية بأسعار معقولة ومدى قيادة كافٍ لتلبية احتياجات المستخدمين في المدن والريف. المشكلة ليست فقط في التكلفة، بل في البنية التحتية المحدودة لمحطات الشحن، خاصة في دول الخليج وشمال إفريقيا.”

السياسات الأوروبية: العصا والجزرة لتحقيق الأهداف البيئية

تعتمد أوروبا على مزيج من الضغوط التنظيمية والحوافز المالية لدفع الشركات والمستهلكين نحو السيارات الكهربائية. ففي المملكة المتحدة، ارتفعت المبيعات بنسبة 21.4%، مدفوعة بأهداف مبيعات إجبارية على الشركات المصنعة، بينما تراجعت المبيعات في ألمانيا بسبب إلغاء المساعدات الحكومية.

يقول فؤاد العطار، خبير السياسات البيئية في القاهرة لـ “شُبّاك”: “السياسة الأوروبية تعتمد على إجبار الشركات على تغيير استراتيجياتها، لكن في العالم العربي، لا توجد بعد آليات مماثلة. الدول الخليجية لديها الفرصة لوضع استراتيجيات ذكية لدعم التحول، عبر حوافز حكومية وتطوير بنية تحتية قوية لمحطات الشحن.”

تطرح التجربة الأوروبية نموذجًا يمكن الاستفادة منه في الدول العربية، خاصة في ظل اهتمام دول الخليج مثل السعودية والإمارات بتطوير صناعة السيارات الكهربائية. ولكن هناك تحديات مختلفة يجب التعامل معها، فمناخ أكثر تطرفًا قد يؤثر على أداء البطاريات في درجات الحرارة العالية. أو وجود بنية تحتية غير متكاملة لمحطات الشحن خارج المدن الكبرى. وتفاوت القدرة الشرائية، مما يجعل السيارات الكهربائية بعيدة المنال لكثير من المستهلكين.

يشير طارق الحسن، مستشار الاستدامة في الرياض إلى أن هناك فرصًا حقيقية، حيث يقول: “يمكن لدول الخليج أن تتبنى نهجًا أكثر سرعة من أوروبا، من خلال الاستفادة من عوائد النفط في بناء قطاع نقل كهربائي متكامل منذ البداية، بدلاً من تعديل الأنظمة القائمة كما يحدث في أوروبا.”

التحدي الصيني في أوروبا والعالم العربي: هل يتحول إلى فرصة؟

فرضت الاتحاد الأوروبي ضرائب على واردات السيارات الكهربائية الصينية مثل BYD وMG، ما قد يؤثر على الأسعار في السوق الأوروبية. لكن دخول شركات صينية مثل Leapmotor إلى السوق عبر التصنيع داخل أوروبا قد يغير المعادلة.

في هذا السياق، يرى زياد النجار، الباحث في الاقتصاد الصناعي في عمان أن الشرق الأوسط قد يكون وجهة جديدة للاستثمارات الصينية، حيث يقول: “مع التشديد الأوروبي على السيارات الصينية، قد تتجه هذه الشركات لإنشاء مصانعها في المنطقة العربية، كما نرى في المشاريع المشتركة التي أُعلنت في السعودية والإمارات. هذه فرصة تاريخية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية في المنطقة.

بينما تستعد أوروبا لمواجهة عام حاسم في مسيرة السيارات الكهربائية، تقدم التجربة هناك دروسًا مهمة للعالم العربي. ورغم أن البنية التحتية للسيارات الكهربائية لا تزال في مراحلها الأولى في كثير من الدول العربية، فإن التوجه نحو هذه الصناعة لا مفر منه.

يبقى السؤال الرئيسي، هل تستطيع الدول العربية تطوير سياسات تجعل السيارات الكهربائية خيارًا عمليًا كما تحاول أوروبا، هل تصبح المنطقة مركزًا جديدًا لصناعة السيارات الكهربائية، خاصة مع التوجه الصيني نحو الاستثمار خارج أوروبا؟

في السنوات القادمة، ستحدد الاستثمارات، السياسات الحكومية، والبنية التحتية مدى قدرة الشرق الأوسط على ركوب موجة التحول الكهربائي، بدلاً من البقاء في موقع المستهلك فقط.

error: Content is protected !!