الخميس. أكتوبر 17th, 2024

السياسة النقدية التركية.. بين تحديات التضخم وتثبيت الفائدة وتأثيراتها على الاقتصاد

ثبت البنك المركزي التركي، الخميس الماضي، أسعار الفائدة عند 50 في المئة للشهر السادس على التوالي مثلما كان متوقعاً، وقال إنه سيظل حذراً للغاية من مخاطر التضخم لكنه لم يشر إلى احتمال تشديد السياسة النقدية (المزيد من رفع أسعار الفائدة). وأضاف “أدوات السياسة النقدية ستُستخدم بشكل فعال في حالة توقع ارتفاع كبير ومستمر في التضخم”.

قرار البنك المركزي التركي بتثبيت أسعار الفائدة عند 50% للشهر السادس يعكس استمرار النهج الحذر تجاه التضخم في الاقتصاد التركي. على الرغم من استقرار معدل التضخم عند 52% في أغسطس 2023، ما زال المركزي يخشى ارتفاعًا مستمرًا. سياسة رفع الفائدة التي بدأت في يونيو 2023، جاءت كتراجع عن سياسة التحفيز الاقتصادي التي كانت تركز على النمو، وتهدف الآن إلى كبح جماح التضخم. في موازاة ذلك، شهدت احتياطيات النقد الأجنبي تحسنًا ملحوظًا بعد انخفاض حاد، مما يعكس جهود الحكومة في استعادة الاستقرار المالي.

تثبيت البنك المركزي التركي أسعار الفائدة عند 50% يعكس مرحلة حساسة في السياسة النقدية التركية، التي بدأت في التغيير منتصف 2023. لفهم هذا الإجراء وتأثيراته، علينا العودة إلى بداية التغيرات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد التركي.

مراحل تطور أسعار الفائدة والتضخم في تركيا

مرحلة التحفيز الاقتصادي (2018-2023): كان الرئيس رجب طيب أردوغان يعارض رفع أسعار الفائدة بشكل علني، مؤكدًا أن خفضها يعزز النمو الاقتصادي. تم اتباع سياسة توسعية تهدف إلى زيادة النمو من خلال خفض الفائدة لتشجيع الاقتراض والاستثمار. هذه السياسة ساهمت في نمو اقتصادي ملحوظ، لكنها أيضًا أدت إلى زيادة الطلب الداخلي وتراكم الضغوط التضخمية. بحلول نهاية 2022، بلغ التضخم أرقامًا قياسية تجاوزت 80%.

تحول السياسة النقدية (2023): مع ازدياد الضغوط الداخلية والدولية، قرر البنك المركزي التركي تبني سياسة نقدية أكثر حذراً. في يونيو 2023، تم رفع أسعار الفائدة بمقدار 4150 نقطة أساس (41.5 نقطة مئوية) في محاولة لكبح التضخم. كانت هذه الخطوة بمثابة تغيير جوهري في السياسة النقدية التي اتبعها أردوغان، وأظهرت استعداد الحكومة للتدخل بقوة للسيطرة على التضخم الذي كان يهدد استقرار الاقتصاد.

تثبيت الفائدة في 2023: رغم تحسن معدل التضخم من 75% في مايو 2023 إلى 52% في أغسطس، لا تزال تركيا تواجه ضغوطًا تضخمية كبيرة. البنك المركزي اختار تثبيت أسعار الفائدة عند 50%، في إشارة إلى أنه سيظل “حذرًا للغاية” حيال مخاطر التضخم المستقبلية. يعكس ذلك عدم الثقة الكاملة في قدرة السوق على استيعاب الضغوط دون الحاجة إلى تدخلات إضافية في أسعار الفائدة

التضخم في تركيا لم يكن ظاهرة جديدة، لكنه ازداد بشكل حاد خلال العقد الأخير، خصوصاً منذ 2018. الأسباب الرئيسية تضمنت السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي اعتمدها أردوغان، وتدهور سعر الليرة، وارتفاع أسعار السلع العالمية. حتى مع بعض التدابير الوقائية، لم تتمكن تركيا من السيطرة على هذا التضخم بشكل فعّال، ما أدى إلى خسائر في القدرة الشرائية للسكان وتأثير سلبي على قطاعات مثل العقارات والسلع الاستهلاكية.

معاني وتأثيرات السياسة الحالية

استقرار الاقتصاد على المدى القصير: تثبيت أسعار الفائدة يمثل رغبة البنك المركزي في عدم إدخال مزيد من الصدمات في الاقتصاد، لكن هذا قد يحمل مخاطر طويلة الأجل إذا لم تنخفض معدلات التضخم كما هو متوقع. تثبيت الفائدة في ظل التضخم المرتفع قد يسبب تراجعًا في القوة الشرائية وزيادة تكلفة القروض.

تأثيرات على سوق العمل والاستثمار: أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، ما يحد من الاستثمارات المحلية والخارجية. في المقابل، قد يؤدي التضخم المرتفع إلى تآكل الأجور الحقيقية، ما يقلل من قدرة الأفراد على الإنفاق ويؤثر على سوق العمل.

احتياطيات النقد الأجنبي: مع ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي إلى 48.78 مليار دولار بعد تراجعها إلى مستويات سلبية في يونيو 2023، تعززت قدرة تركيا على الدفاع عن الليرة، لكن هذا لا يعني أن مخاطر هبوط العملة قد انتهت. الضغط على الليرة لا يزال قائمًا، وأي هبوط جديد قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم مرة أخرى.

التوقعات على المدى الطويل: تعتمد تركيا على خفض التضخم إلى 17.5% بحلول 2025. لكن هذا الهدف قد يبدو طموحًا في ظل التحولات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الطاقة العالمية. لضمان استقرار طويل الأمد، قد يحتاج البنك المركزي إلى تشديد السياسة النقدية أكثر في المستقبل.

Related Post