تصريحات وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني بشأن مقترح تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر تسلط الضوء على تعقيدات المشهد الإقليمي، حيث يتداخل النفوذ الإيراني مع الاستراتيجيات الأمريكية. البحر الأحمر، بموقعه الاستراتيجي كممر حيوي للتجارة العالمية، أصبح ساحة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الأمن البحري في المنطقة.
إيران تسعى منذ سنوات إلى توسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر من خلال دعم الحوثيين في اليمن، الذين أصبحوا أداة لتحقيق أجنداتها الإقليمية. الهجمات على السفن في الممرات البحرية الحيوية تشكل جزءاً من استراتيجية طهران لفرض نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في الحسابات الدولية. هذا الدور يتحدى الهيمنة التقليدية للقوى الغربية ويضع المزيد من الضغوط على خطوط الملاحة العالمية.
تصريحات أشتياني حول “هيمنة” إيران على المنطقة تعكس رغبة طهران في تأكيد سيطرتها الرمزية على البحر الأحمر كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. التحذيرات من “مشكلات استثنائية” قد تكون تهديداً ضمنياً باستخدام أدواتها غير التقليدية، مثل الهجمات البحرية أو استغلال الجماعات المسلحة، لتقويض أي جهود تقودها الولايات المتحدة.
جهود الولايات المتحدة لتشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تأتي في إطار استراتيجيتها لاحتواء النفوذ الإيراني وحماية المصالح الغربية في المنطقة. التركيز على البحر الأحمر يعكس إدراك واشنطن لأهميته الاستراتيجية كممر للتجارة والطاقة، خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي نفذها الحوثيون.
على الرغم من الجهود المبذولة، تواجه هذه القوة البحرية تحديات عديدة:
إيران قد تحاول تقويض هذه القوة من خلال تصعيد الهجمات أو استخدام الحوثيين للضغط الميداني. فيما بعض الدول الإقليمية قد تتردد في الانخراط المباشر بسبب حساسية العلاقة مع إيران أو مخاوف من تصعيد النزاع. إن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات يتطلب تنسيقاً قانونياً ودبلوماسياً واسعاً لضمان شرعية العمليات.
البحر الأحمر يمثل شرياناً حيوياً للتجارة والطاقة، حيث يمر جزء كبير من النفط والسلع عبر مضيق باب المندب. أي تصعيد في المنطقة قد يؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الشحن، مما ينعكس على الاقتصاد العالمي.
الصراع في البحر الأحمر يعكس التحولات الجارية في ميزان القوى الإقليمي. التواجد البحري الأمريكي والفرنسي المتزايد يهدف إلى تعزيز الأمن، لكنه يثير قلق إيران التي ترى في هذه التحركات تهديداً مباشراً لنفوذها.
الدول الإقليمية مثل السعودية، مصر، والإمارات تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل البحر الأحمر. هذه الدول تواجه تحدياً في تحقيق التوازن بين مواجهة النفوذ الإيراني وضمان استقرار المنطقة.
السيناريوهات المحتملة: بين التصعيد والاحتواء
قد يؤدي تشكيل القوة البحرية إلى تصعيد مباشر بين إيران والقوى الغربية، خاصة إذا استهدفت طهران السفن أو القواعد البحرية التابعة لهذه القوة.
في حال نجاح الدبلوماسية الدولية، قد يتم احتواء النزاع من خلال التوصل إلى تفاهمات إقليمية تضمن الأمن البحري وتخفف من حدة التصعيد.
استمرار الهجمات البحرية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعتمد الملايين على المساعدات الإنسانية التي تصل عبر موانئ البحر الأحمر.
البحر الأحمر يتحول تدريجياً إلى نقطة اشتباك جيوسياسية تعكس التوترات الإقليمية والدولية. جهود الولايات المتحدة لتشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية الأمن البحري، لكنها تواجه معارضة شديدة من إيران التي تسعى لترسيخ نفوذها في المنطقة. في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق توازن بين حماية التجارة الدولية وتجنب التصعيد العسكري في منطقة حساسة كهذه؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل الأمن والاستقرار في البحر الأحمر والمنطقة المحيطة به.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ