Spread the love

في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط، تعيد الصين تأكيد التزامها بتعزيز العلاقات مع إيران، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية الصيني وانج يي لنظيره الإيراني بالوكالة علي باقري كني. هذه التصريحات التي تشمل التعاون في إطار منظمة شنغهاي للتعاون وتجمع بريكس، بالإضافة إلى إدانة اغتيال إسماعيل هنية، تعكس نهج بكين المتوازن في المنطقة.

لكن ما الذي تعنيه هذه التصريحات في سياق الديناميكيات الجيوسياسية العالمية؟ وهل يمكن اعتبار الصين شريكاً استراتيجياً حقيقياً لإيران، أم أن موقفها يندرج في إطار سياساتها المتحفظة والمتوازنة للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط؟

تُعد إيران أحد الموردين الرئيسيين للنفط للصين، حيث يعتمد الاقتصاد الصيني على مصادر الطاقة المستقرة، خصوصاً في ظل العقوبات الغربية المفروضة على طهران. وكذلك في المقابل، تستفيد إيران من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتكنولوجيا، خاصة في ظل العزلة الاقتصادية التي تعاني منها بسبب العقوبات الأمريكية.

التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق يعزز دور إيران كمحور رئيسي في خطط الصين لتوسيع نفوذها التجاري عبر آسيا والشرق الأوسط. في وقت قد تنظر الصين إلى إيران على أنها حليف محتمل في مواجهة الهيمنة الغربية، حيث تعزز بكين التعاون العسكري والتكنولوجي مع طهران.

ورغم ما سبق فإن الصين تُبقي علاقاتها العسكرية مع إيران في إطار غير رسمي، متجنبة أي تصعيد قد يعرضها لضغوط أمريكية أو يضر بعلاقاتها التجارية مع دول الخليج.

الوجود الإيراني في منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تقودها الصين وروسيا، يمثل إحدى أدوات طهران لفك عزلتها الدولية.

رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، تواصل الصين استيراد النفط الإيراني عبر قنوات غير رسمية، مما يساعد طهران في تخفيف الضغوط الاقتصادية. وهي التي تدعو إلى إلغاء العقوبات المفروضة على إيران وتعارض السياسات الأحادية الأمريكية، لكنها لا تخاطر بشكل مباشر في مواجهة واشنطن.

الصين تتبنى دبلوماسية “عدم التدخل”، لكنها في الواقع تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة. فموقفها من اغتيال إسماعيل هنية وإدانتها له يأتي ضمن محاولة الحفاظ على علاقات متوازنة مع العالم الإسلامي، خصوصاً مع دول الخليج وإيران، بينما تقدم بكين دعمها لإيران، فإنها تحافظ على علاقات استراتيجية مع الدول العربية وإسرائيل، مما يتيح لها لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية.

الصين تساند إيران في مجلس الأمن وتعارض العقوبات الغربية، فهي تظل أهم شريك تجاري لإيران رغم الضغوط الدولية. وكذلك فإن استمرار تدفق النفط الإيراني إلى الصين يساهم في دعم الاقتصاد الإيراني.

لكن رغم التعاون، فإن الصين لا تقدم دعماً عسكرياً صريحاً لإيران، فبكين تتجنب اتخاذ مواقف متطرفة ضد أي طرف حفاظاً على مصالحها الاقتصادية. والصين أيضاً لا تتحدى واشنطن بشكل مباشر في ما يخص التعامل التجاري مع إيران.

ورغم ذلك فإيران تبحث عن داعم قوي في مواجهة الضغوط الغربية، لكنها لا تجد في الصين حليفاً عسكرياً مباشراً مثل روسيا، أما الصين تستغل علاقاتها بإيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة.

لذا فإن تعزيز التعاون في منظمة شنغهاي وتجمع بريكس قد يمنح إيران المزيد من الأدوات السياسية والاقتصادية لتخفيف عزلتها الدولية. لكن في النهاية، تبقى الصين لاعباً براغماتياً يسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع، دون التورط في صراعات قد تضر بمصالحها الاقتصادية العالمية.

على الرغم من الخطاب الدبلوماسي القوي حول الشراكة، فإن العلاقات بين الصين وإيران لا ترتقي إلى مستوى التحالف الاستراتيجي العميق، بل هي علاقة مصلحة متبادلة.

إيران بحاجة إلى الصين لمواجهة العقوبات الغربية، والصين بحاجة إلى إيران كمصدر للطاقة وشريك في مبادرة الحزام والطريق، لكن بكين لن تخاطر بمصالحها مع الغرب أو مع دول الخليج من أجل طهران. فيما الصين لن تصبح “المنقذ” الذي تبحث عنه إيران، لكنها ستظل شريكاً اقتصادياً وسياسياً حذراً، يستغل علاقتها بإيران لتعزيز نفوذها العالمي دون المجازفة بمصالحها الكبرى.

ويبقى السؤال الأهم: إلى متى يمكن أن تستمر هذه الشراكة دون أن تتحول إلى تحالف حقيقي؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!